الشبكات الاجتماعية اليوم أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الاجتماعية، ولا يكاد يمر يوم على أغلبية سكان الكرة الأرضية دون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الخلوية للتواصل مع الآخرين أو كتابة أو مشاهدة أو قراءة مساهمات متنوعة، وقد طرأ تغيير مفاجئ على السلوك الإنساني، أربك علماء الاجتماع وتداخل مع بعض النظريات في علم الاجتماع والنفس بصورة جعلتها محل مراجعة ونقد واسعين. وبدأنا نستخدم مفردات جديدة ونصف بعض الأنماط السلوكية بأوصاف جديدة، مع ظهور نوع من الشخصيات التي تمزج بين السلوك الإنساني والسلوك الإلكتروني الذكي، نتيجة تفاعل الإنسان مع وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام شبكات الإنترنت ووسائل الاتصال المتقدمة بصورة عامة، وبروز علم اجتماع وعلم نفس شبكات التواصل الاجتماعي. وقد تحولت هويتنا عبر شبكة الإنترنت، ولم نعد نجد تعريفاً لكيفية التعامل مع سلوكنا في العالم الافتراضي، وأصبحت غرائزنا مع التحديات الاجتماعية الإلكترونية الجديدة والثورة في عالم العلوم والتقنيات والتغيرات البيئية والتلوث بكل أنواعه عرضة لنقلة في مكونات الحامض النووي للإنسان. وبالتالي إطار السلوك البشري ككل وإعلان ولادة إنسان جديد، ويعيش الكثيرون غير مصدقين ما يحدث من تطورات، وكأنهم يعيشون في حلم لا يريد أن ينتهي، بين هجين «فيسبوك» و«جوجل» و«تويتر» وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الإلكتروني وسيناريوهات مختلفة لمستقبل الحياة الاجتماعية. ووصولنا لذلك المستقبل ليس موزعاً بالتساوي بين الثقافات والمجموعات البشرية المتنوعة، واستقراء لما يجري حالياً في العالم الافتراضي، يبدو أن بعض الثقافات على وشك الوصول للمستقبل، بينما سيتأخر وصول آخرين لذلك المستقبل، وهنا ستحدث أكبر فجوة عرفها النوع الإنساني، وستعامل بعض الثقافات على أنها كائنات غريبة، لا تنتمي لذلك المستقبل وستكون فئران تجارب المستقبل ترضخ لسيطرة الإنسان السوبر. في المستقل القريب ستصبح مواقع التواصل الاجتماعي أكبر الصحف العالمية، وسيتغير السلوك الإنساني، والعمل عن بعد سيكون أحد الأنماط الوظيفية السائدة، وسيصبح من السهل كسب المال في الفضاء الرقمي، ومن المضحك المبكي أن مشاريع دعم الشباب وغيرها من مؤسسات تمكين المواطن في دخول سباق الاقتصاد الحر ترفض كل المشاريع الافتراضية على شبكات الإنترنت، لأنها لا تزال تفكر بصورة تقليدية تعرقل مسيرة التقدم والتطور، وخاصة أن حكومة مثل حكومة دولة الإمارات قفزت قفزات نوعية كبرى في شتى المجالات وأضحت تصنف ضمن مصاف الدول المتقدمة في الأداء الحكومي ودخلت مرحلة تدشين الحكومة الذكية. وفي المقابل هناك بعض مؤسسات تطوير أو دعم المشاريع التجارية للشباب وغيرهم من الفئات كالنساء والقوى العاملة المعطلة في المنزل، ومن يريد تحسين مستواه المعيشي بعد أن وفرت الدولة لهذه الفئات المنصة المثالية التي تنطلق منها لتحقيق أحلامها التجارية بدعهما إدارياً وفنياً وقانونياً ومالياً وفق قروض ميسرة من دون فوائد وهي تجربة فريدة من نوعها في العالم. ويشوه كل هذا الدعم اللامحدود والفكر المستنير من الحكومة الرشيدة، فكر الكثير من القائمين على مؤسسات دعم المشاريع الشبابية والمجتمعية، فبعض تلك المؤسسات لا تزال مصرة على اتباع الخطوات التي درسناها قبل 20 عاماً في إدارة الأعمال، أو حتى التي درست قبل سنة من الآن في هذا العالم الذي يتغير في كل ثانية، والوقوف مكانك سر وعدم مواكبة التطور في كيفية البدء في مشروع تجاري إلكتروني ناجح بعيد عن النمطية المملة، والنظر لما يحدث في العالم من نمو في حجم التجارة الإلكترونية وتأثيرها على اقتصادات العالم، وهو أمر يحتاج لوقفة صادقة مع النفس والتغيير الفوري، وفتح باب العمل والخوض في المشاريع الإلكترونية التجارية. دولتنا تسابق الزمن وليس هناك مكان للمتقاعسين أو من يعملون بجد واجتهاد لكن بما لا يناسب ما يحدث من تقدم في العالم فالمجتهد والمتقاعس هنا على حد سواء، وحجر عثرة يقف في وجه التغيير الإيجابي وسياسية الحكومة في التمكين وسياسة الوطن والمواطن أولاً وأخيراً. ومن جانب آخر، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي أكبر قوة تمكين في يد القطاعين العام والخاص وربط ذلك بالتنمية المجتمعية، ومن أهم أدوات صناعة مستقبل أفضل من خلال نشر الوعي الصحي العام، ونشر الوعي والاستقرار الأمني والروحي والقيمي والمجتمعي والتمكين الاقتصادي وتعزيز الهوية الوطنية الافتراضية، وأرى أن الإنسان مقبل على ثورة حقيقية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات وتطبيقات الهاتف الخلوي. وقد حان الوقت في أن يأخذ المريض موعده عن طريق تطبيقات الهاتف الخلوي، وأن يمنح الفرصة لاستخدام هاتف ذكي، إذا أراد ذلك لقياس درجة حرارته أو فحص نسبة السكر في دمه وغيرهما من الأمور قبل وصوله للعيادة المختصة، فالتواصل الحديث يجب أن يطغى على الممارسات المتحجرة والعالم يتجه نحو المستهلك الذكي وبيانات حكومية ذكية ولحظية لتسهيل الخدمات وجعلها متوفرة على مدار الساعة بنوعية ومعايير عالمية، وسيتغير نمط تعيين المديرين التنفيذيين ولن تكون السن وسنوات الخبرة هى المقياس، بل الأداء والمقدرات والمهارات في إدارة شبكات الزبائن والمستخدمين على شبكات الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، وسيشارك الشعب في صنع القرار بصورة مباشرة ومؤثرة، وستتخذ القرارات المصيرية في حياة الشعوب بالتشاور معها والاستفتاء على جدوى تلك المشاريع العامة، وسيحكم الجمهور على جودة الخدمات أو تغيير برامج بأكملها.. كل ذلك من خلال الحكومة الذكية التي ستجعل الحكومة في كل منزل وفي متناول ضغطة زر واحدة على مدار الساعة، وسيقرر الجمهور لمن يمنح جوائز التفوق في الأداء الحكومي، والذي سيجعل بدوره الموظف الحكومي على أعلى درجات الكفاءة. وسيسرع في وتيرة الخدمات ونوعيتها، فأي شخص من الجمهور تعامل مع موظف لاحظ التقصير في أدائه، أو كانت خدماته أقل من المستوى المتوقع، يجب أن يستطيع مباشرة تقييم ذلك الموظف والدائرة، من خلال الدخول على موقع الدائرة وتحديد رقم الموظف دون الحاجة للاسم والمهنة، لأن كل موظف سيحمل رقما ذكيا أمام مكتبه، أو في بطاقة يحملها يقدمها للجمهور في حالة طلبهم ذلك لتقييمه أو إيضاح عدم رضائهم عن الخدمة. وسيتمكن الجمهور على سبيل المثال من المسح بهواتفهم على هذا الرقم لتقييم الخدمات أو إدخال رقم الموظف، وإبداء الرأي فيه أو تقديم شكوى عليه أو الإشادة بخدماته وتميزه بصورة تفاعلية. ولنتوقف ونفكر في طبيعة مستخدمي الإنترنت الذين يقضون 22.7 في المائة من وقتهم على مواقع الشبكات الاجتماعية، وكيف سيكونون هم العنصر المهم في اتخاذ الشركات قرارتها الرئيسية، والمنتج القادم إلى الأسواق، كما ستتمكن تلك الشركات بكل بساطة من قراءة السلوك الحالي والمتوقع للمستهلك، وبالتالي ستقل خسائرها ويكون المنتج نتيجة مباشرة لحاجة ملحة أو ترفيه يرغب بها الجمهور، وسيكون خط الإنتاج متغيرا بتغيير ذوق ورغبة المستهلك ورأيه على العالم الافتراضي، وسيكون للحكومات حكومات افتراضية فعالة ورئيس وزراء افتراضي، وستتمكن الشعوب من إحداث التغييرات السياسية بتسخير وسائل شبكات التواصل الاجتماعي بأقل مجهود يذكر، فالإضرابات المدنية ستكون على شبكات الإنترنت، ويبدأ عصر العصيان المدني الافتراضي.