وفقاً لآخر الأخبار الواردة من مصر، فإن الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء المكلف، لايزال يواصل مشاوراته لاختيار المرشحين للحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، تمهيداً للانتهاء من التشكيل وحلف اليمين الدستورية أمام الرئيس المؤقت نهاية الأسبوع الجاري. ويتولى الببلاوي منصبه الجديد في ظرف دقيق، وبعد أزمات عديدة مرت على مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، لكن آمال كثير من المصريين معقودة عليه في إعادة إنعاش اقتصاد بلادهم والعبور بها من الفترة الانتقالية دون مزيد من التدهور. وكان رئيس الجمهورية المؤقت في مصر، المستشار عدلي منصور، قد أصدر الثلاثاء الماضي قراراً بتكليف حازم الببلاوي برئاسة الحكومة، بعد أن تم صرف النظر عن ترشيح الدكتور محمد البرادعي لهذا المنصب، عقب اعتراض حزب «النور» السلفي الذي رأى في البرادعي رجلا «ليبرالياً حتى النخاع»، وطالب أن يكون الشخص المكلف «اقتصادياً من التكنوقراط» ولديه خبرة سابقة في منصب حكومي. وكان الببلاوي قد عمل في ثاني حكومة مصرية بعد الثورة؛ حين عين نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيراً للمالية في حكومة الدكتور عصام شرف، ثاني رئيس وزراء يتولى إدارة البلاد بعد الثورة، وها هو يصبح أول رئيس بعد ثورة 30 يونيو2013، أو الموجة الثانية من ثورة 25 يناير. وقد ولد حازم الببلاوي في القاهرة عام 1936، وتخرج من كلية الحقوق في جامعتها عام 1957، وحصل منها على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1958، وعلى الشهادة ذاتها في القانون العام في العام التالي، وعلى دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية من جامعة جرينوبل بفرنسا عام 1961، قبل نيله شهادة دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس عام 1964. وشغل الببلاوي خلال حياته الوظيفية العديد من المناصب، داخل مصر وخارجها، لكنه بدأها مندوباً في مجلس الدولة، قبل سفره ضمن بعثة دراسية إلى فرنسا، حيث عُين بعد عودته مدرساً بكلية حقوق بجامعة الإسكندرية عام 1965. وهناك ترقى في السلك الجامعي حتى بلغ درجة الأستاذية في الاقتصاد عام 1976 وأصبح أستاذاً زائراً في كل من جامعة القاهرة والجامعة الأميركية في القاهرة وجامعة باريس 2. كما أُعير للعمل بجامعة الكويت عام 1974، ومنها انتقل للعمل في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (الكويت) عام 1976، قبل أن يصبح مديراً لإدارة البحوث الاقتصادية في وزارة المالية الكويتية ومستشاراً للوزير بين عامي 1976 و1983. وفي ذلك العام عاد الببلاوي ليتولى رئاسة البنك المصري لتنمية الصادرات، ومن بعده رئاسة الشركة المصرية لضمان الصادرات في الفترة بين 1992 و1995. وعاش الببلاوي سنين من حياته في الولايات المتحدة، حيث كان وكيلا لأمين عام الأمم المتحدة وأميناً تنفيذياً للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا بين عامي 1995 و2001. وبعدئذ أصبح مستشاراً لصندوق النقد العربي في أبوظبي، ثم اختير نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيراً للمالية في الحكومة المصرية برئاسة عصام شرف يوم الـ16 من يوليو 2011. بيد أنه استقال من منصبه في 11 أكتوبر على خلفية أحداث ماسبيرو، لكن المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في حينه، رفض قبول الاستقالة، فعاد الببلاوي إلى مكتبه في نفس اليوم. وأثناء عمله وزيراً للمالية، استطاع الببلاوي إقناع جنرالات الجيش الذين أداروا البلاد عقب إطاحة «مبارك»، بضرورة الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، ووضع خلال تلك الفترة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي ضمّنه في آخر مؤلفاته التي حملت عنوان «أربعة أشهر في قفص الحكومة». وقد نشر الببلاوي، الاقتصادي والمفكر والكاتب الشهير، العديد من الكتب والمقالات، بالعربية والإنجليزية والفرنسية، وساهم في تطوير مفهوم «الدولة الريعية» ضمن المفاهيم الاقتصادية السائدة، وكتب في مجالات النقود، والتجارة الدولية، والتعاون الاقتصادي العربي، والنظرية الاقتصادية، ونشر منذ كتابه الأول الصادر عام 1965، وعنوانه «التعاون الاقتصادي العربي»، أكثر من عشرين كتاباً، منها «دروس في النظرية النقدية» (1966)، «التنمية الزراعية في البلاد العربية» (1967)، «نظرية التجارة الدولية» (1968)، «مجتمع الاستهلاك» (1968)، «النظرية النقدية: مقدمة لنظرية الاقتصاد التجميعي» (1971)، «المجتمع التكنولوجي الحديث» (1972)، «أصول الاقتصاد السياسي» (1975)، «في الحرية والمساواة» (1985)، «نظرات في الواقع الاقتصادي المعُاصر» (1986)، «محنة الاقتصاد والاقتصاديين» (1989)، «بعد أن يهدأ الغبار» (1990)، «التغيير من أجل الاستقرار» (1993)، «دليل الرجل العادي إلى التعبير الاقتصادي» (1993)، «عن الديمقراطية الليبرالية: قضايا ومشاكل» (1993)، «دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي» (1995)، «دور الدولة في الاقتصاد» (1997)، «نحن والغرب» (1999)، «النظام الاقتصادي الدولي المعاصر» (2000)، «الاقتصاد العربي في عصر العولمة» (2004). هذا علاوة على كتب أخرى وبحوث منشورة في العديد من الدوريات المحكمة، فضلا عن إسهامه في النسخ المتوالية من تقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن الأمم المتحدة. ولجهده ومثابرته اللافتين في دراسة وتحليل المشكلات الاقتصادية وإيجاد حلول لها، فقد حصل الببلاوي على العديد من الجوائز والأوسمة؛ مثل جائزة أحسن الرسائل من جامعة باريس عام 1964، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في الاقتصاد على مستوى الوطن العربي عام 1983، ووسام جوقة الشرف بدرجة فارس من حكومة فرنسا عام 1992، ووسام ليوبولد الثاني بدرجة كومانور من حكومة بلجيكا عام 1992، ووسام الأرز بدرجة فارس من حكومة لبنان عام ‏2001‏.‏ ولا شك أن خبرات وتجارب وأفكار ثرية كالتي بحوزة الدكتور حازم الببلاوي، تعدّ ذخيرة في غاية الأهمية لمن تناط به قيادة العمل الحكومي في مصر حالياً، وسط ظرف يطبعه الصراع والفوضى وآثار الانهيار، فضلا عن غياب الرؤى الكبرى حول المستقبل وخرائط الخروج من عنق الزجاجة الذي دخلته البلاد وضاق عليها بسبب الأزمات المتوالية. محمد ولد المنى