بين عودة ساركوزي و«كان»... وسقوط نظام حكم «الإخوان» عودة ساركوزي لواجهة المشهد السياسي في فرنسا، وتداعيات سقوط نظام الإخوان في مصر، وجدل حول غاز «الأردواز» كبديل طاقي، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أولاند والأشباح تحت هذا العنوان خصصت صحيفة لوموند افتتاحيتها أول من أمس لمناقشة تداعيات العودة السياسية الملفتة للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ولرئيس صندوق النقد الدولي السابق دومينيك ستروس- كان، ومدى الإزعاج السياسي الذي يفترض أن تطرحه هذه الأخبار غير السارة على اليسار الاشتراكي الحاكم، وزعيمة رئيس الجمهورية فرانسوا أولاند نفسه. واعتبرت الصحيفة أن «ساركو» و«كان» شخصيتان سياسيتان قويتان، ومن الوزن الثقيل، ولا يملك أي طرف سياسي ترف تجاهل معاودتهما الظهور مجدداً هذا الأسبوع على المسرح السياسي. صحيح أن الاثنين يقومان الآن من وسط ركام الهزيمة السياسية، الأول بعد هزيمته في صناديق اقتراع الرئاسيات العام الماضي، والثاني خرج من الصورة بعدما طفح كيل حياته الخاصة، وانتشر غسيل فضائحها في كل مكان وعلى كل لسان. ولكن هذا لا ينفي أيضاً أن الاثنين ما زالا يتمتعان بقدرة غير عادية على التأثير في المشهد السياسي، كما أنهما معروفان بصعوبة مراسهما وبعنادهما الأسطوري. والراهن أن ساركوزي و«كان» ضربا موعداً جديداً مع السياسة، الأول حين أعلن أنه بدأ يستعد الآن للترشح في رئاسيات عام 2017، على رغم القضايا المنظورة ضده، والتي تتهدد طريق هذا المسعى السياسي غير المفروش بالورود. والثاني تحدث دون أية أوهام عن حظوظه القوية في العودة لممارسة العمل السياسي في فرنسا، مع السعي في الوقت نفسه لجعل كلمته مسموعة في مؤسسات تسيير الاقتصاد العالمي. وكان الرئيس السابق ساركوزي قد أعلن نيته الترشح من جديد في كلمة ألقاها يوم الاثنين الماضي أمام المكتب السياسي لحزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية». أما المدير السابق لصندوق النقد الدولي فقد وردت نواياه السياسية في مقابلة مطولة أجرتها معه محطة «سي. إن. إن» تم بثها يوم الأربعاء الماضي. ولا شك أن أشباح عودة هذين السياسيين المهمين إلى المشهد السياسي ستزيد مشاكل أولاند وقد تجعل خطواته محسوبة، وفي المجمل ستغير كثيراً من قواعد اللعبة السياسية والحزبية الفرنسية الراهنة. وفي سياق متصل نشرت صحيفة لوفيغارو عموداً للكاتب «إيف تريّار» بعنوان «أولاند بين نارين» قال فيه إن الرئيس الفرنسي سيكون اليوم (الأحد) محط جميع الأنظار، وهو يحيي في قصر الأليزيه للعام الثاني على التوالي، ذكرى اليوم الوطني الفرنسي، 14 يوليو، وثمة كثير مما يحب الفرنسيون سماعه في كلمته بهذه المناسبة. وعلى قائمة اهتمام الفرنسيين طبعاً تأتي قضايا ضاغطة كتفشي البطالة، وتخفيض الإنفاق العمومي، وإصلاح نظام المعاشات، وغيرها من هموم اقتصادية ومعيشية عميقة، وخاصة أن الرئيس كان قد تعهد بقلب هرم مؤشرات الحالة الاقتصادية من هنا وحتى نهاية السنة، وحث وزراءه على العمل خلال الفصل الثاني من السنة لتقريب هذا الهدف، والسعي خلال الفصل الثاني لبلوغه. ولكن في كل مرة كانت النوايا خلواً من جدول زمني لتحقيقها. وما زال الغموض هو سيد الموقف. وأسباب ذلك تزداد بداهة، بطبيعة الحال. والحال أن أولاند وجد نفسه عملياً بين نارين، يقول الكاتب، من جهة هنالك بعض المنتخبين والناخبين من معسكر اليسار الذين يعتبون على سياسته أنها ليست بالغة السخاء حتى إذا ما قورنت مع السياسات الأكثر تواضعاً، وأيضاً لا تبدو متطابقة مع وعوده خلال حملته الانتخابية الرئاسية. ومن جهة أخرى هنالك أيضاً ضرورات الواقع الاقتصادي الصعب التي تفرض عليه اتخاذ تدابير إصلاح هيكلي لتقويم حالة فرنسا الاقتصادية. وهذا يقتضي شجاعة وإرادة. وبين الاتجاهين، اتجاه دولة الرفاه والالتزام العمومي السخي، واتجاه تصحيح الوضع الاقتصادي بما يفرضه من تضحيات وتقشف، يتعين على أولاند أن يختار. سقوط «الإخوان» ضمن ملف «هل دخل الإسلام السياسي مرحلة الانسداد» نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان «الإسلاموية ليست مشروعاً للحكم»، تساءلت في بدايتها: هل لقي الإسلام السياسي في مصر الضربة القاضية؟ مجيبة بأنه إذا كان علينا أن نجيب بـ«نعم» أو «لا» على هذا السؤال، فإن الإجابة هي «نعم»، لأنه لا يوجد شك في أن مشروع بناء نظام إسلامي وفق تأويل «الإخوان» للإسلام، قد مُني خلال الأسبوع الماضي بهزيمة مريعة في شوارع القاهرة. نعم، لقد خسر الإسلام السياسي هذه المعركة المصيرية الجوهرية، بعد عام من حكم «الإخوان» في مصر لم يتكشَّف سوى عن الفشل العارم. هذا مع أن جماعة «الإخوان» من بين مختلف جماعات الإسلام السياسي هي الأكثر ادعاءً بأنها تملك مشروعاً! ومن المعروف أن تلك الجماعة هي الحاضنة أو القماط الذي خرجت منه معظم مخرجات الإسلام السياسي الأخرى. وكان «الإخوان» يزعمون أنهم قادرون على حمل مشروع سياسي إسلامي، وأكثر من ذلك فقد صدّروه للخارج من حركة «حماس» في فلسطين، إلى مختلف الجماعات والتنظيمات الأخرى المنتشرة في أنحاء العالم العربي- الإسلامي. ولكن ها هي التجربة تنهار وتحمل في طياتها بذور إجهاضها، في بلد، ليس أي بلد في العالم العربي: إنها مصر، رئة الحراك السياسي في المنطقة. وبعد عام من انتخاب الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي نزل ملايين المصريين إلى الشوارع مطالبين برحيله. ولذلك فقد عزله الجيش يوم 3 يوليو الجاري. وكانت الانتقادات الموجهة إلى مرسي من قبل الشارع كثيرة، ومنها: عدم الكفاءة في تسيير دواليب الاقتصاد وعدم حل المشكلات الاجتماعية، ونزعة السلطوية الحزبية، وخطابة الاستبعاد السياسي للخصوم.. الخ. وترى الصحيفة أن تحولاً كهذا في مصر لا يمكن أن يمر دون أن تكون له توابع وتداعيات خارج حدودها، وخاصة لدى شقيقاتها الأصغر. ومما لا يخلو من المعنى هنا أن عبارة «الإسلام هو الحل»، التي كان «الإخوان» يرفعونها فقدت مصداقية توظيفها سياسياً، وتواجه المصير نفسه أهم وسيلة إعلام إسلاموية في بداية هذا القرن، وهي قناة «الجزيرة» -تقول لوموند، لأسباب مالية. ومع هذا ينبغي أيضاً عدم إغفال خصوصية الحالة المصرية. وما أخذ على مرسي تأتي على رأسه محاولته جعل كل مفاصل الدولة بأيدي «الإخوان»، وقد كانت في هذا إشارة قوية على منزع ديكتاتوري. ولذلك كان هو شخصياً في مقدمة المرفوضين شعبياً. ومن الملفت أن النساء خاصة كان حضورهن قوياً في التظاهرات المناهضة لمرسي. كما أن التيار الإسلامي الآخر ممثلاً في حزب "النور" السلفي ينشط هو أيضاً ضمن الجبهة المضادة لمرسي. غاز «الأردواز» في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون دعا الكاتب فرنسوا سيرجان إلى تكثيف جهود استغلال الغاز الصخري، المعروف باسم غاز الأردواز، أو غاز «الشيست» ضمن خيارات تأمين الطاقة من مصادر حفرية. ويرى الكاتب أن هذا المصدر الطاقي، على رغم تقنيات استخراجه العويصة، من شأنه أن يقلب التوازنات الجيوبوليتيكية الدولية. ولو تم تكثيف الاشتغال عليه يمكن تحرير الغرب، من أميركا إلى بولندا، من تبعيته الطاقية لكل من الشرق الأوسط، وروسيا، كما أن من شأنه أيضاً أن يمد الأسواق بالطاقة لسنوات أخرى قادمة. بل إن كثيراً من الدول الغربية أخذت تحلم الآن بالتحول إلى دول منتجة كبيرة للطاقة مثل السعودية. وقد أثير جدل مؤخراً في فرنسا حول هذا الموضوع، وخاصة من قبل الوزير أرنو مونتبورج، وإن كان أولاند يعطي انطباعاً بفتور الاستجابة، هذا إن لم يسعَ لقبر الموضوع لاعتبارات بيئية أو مسايرة للخضر أو حتى لشركات النفط. غير أن الكاتب يرى أن الاهتمام الفرنسي بهذا المصدر البديل من مصادر الطاقة لا يبدو أنه سيمضي بعيداً في ضوء العوائق السياسية والبيئية، وخاصة أن الوزير المعني يعرف حدود وهوامش التحرك المسموح له بها في هذا الاتجاه، كما أن الخضر لن يطيقوا هم أيضاً سماع الحديث عن استغلال الغاز الصخري، وسيغلقون باب النقاش حوله لتداعياته البيئية. وهذا العجز الحكومي عن اتخاذ مبادرات هو ما يجعل الكلمة الفصل في الموضوع تؤول لجماعات الضغط واللوبيهات، وخاصة منها البترولية، القوية والمتنفذة، والجاهزة سلفاً لفرض كلمتها. ومع هذا لا شيء يبرر منع البحث والاستغلال في هذا المجال، يقول الكاتب. إعداد: حسن ولد المختار