بدأ اهتمام الإعلام المصري بمخاطر «أخونة» الثقافة فور تسلم مرسي السلطة، ومع بداية تحرك جهاز جماعة «الإخوان المسلمين» السياسي والاقتصادي لتنفيذ سياساتهم المتوقعة للإمساك بمفاصل البلاد و«التمكين» للنظام الديني العقائدي المأمول. ومن المجلات التي حاولت دراسة تحرك «الإخوان» ومخاطرهم الثقافية مجلة «الهلال» العريقة التي عقدت ندوة في دار المجلة بعنوان «الإخوان والثقافة: مواجهة أم مهادنة»؟ نُشرت في عدد سبتمبر 2012. ورغم اعتذار عدد من المثقفين المصريين البارزين عن حضورها، ومنهم د. جابر عصفور وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وأحمد عبدالمعطي حجازي، استطعنا، يقول رئيس تحرير الهلال (دعوة فريقين من كبار المثقفين يمثل أحدهما الإبداع والثقافة ويمثل الثاني «الإخوان» وحزب «الحرية والعدالة»، لتخرج هذه الندوة بخطاب جديد بين الطرفين). انقسم الحوار إلى جزأين: فقد تحدث في البداية المثقفون باستفاضة ثم قام ممثلو «الإخوان» والتيار الديني بإبداء آرائهم فيما طرح. بدأ صلاح عيسى مداخلته بإبداء مخاوف المثقفين من أن لدى الجماعات الإسلامية مواقف معادية أو متحفظة تجاه الثقافة. فقد حاولوا مثلاً عرقلة ظهور رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، وهناك «الصمت المريب من الإخوان»، تجاه مواقف التيار السلفي، سواء تجاه السينما أو الشخصيات الأدبية! ما معنى تطبيق معايير الحلال والحرام على السينما؟ التراث العربي مليء بكل ما يرفضه التيار الإسلامي. أشارت فريدة النقاش إلى الأساس الحزبي لموقف «الإخوان» من الثقافة. فمبدأ السمع والطاعة عندهم ليس مبدأ تنظيمياً فحسب، بل يمس جوهر الثقافة وهو النقد. ويعلن «الإخوان» دائماً أنهم يعتمدون على مصدرين فقط هما القرآن الكريم والسنة النبوية، مع أن الحضارة العربية اعتمدت على روافد كثيرة، وتأثرت بالثقافة الفارسية واليونانية، و«بهذا استطاعت الحضارة العربية الإسلامية، أن تلعب دوراً مهماً في نهضة أوروبا منذ العصور الوسطى». ثم أن «الإخوان» منذ نشأتهم، أضافت الأديبة المعروفة، «خاصموا كل رموز الإصلاح الديني عبر التاريخ. فقديماً -على سبيل المثال- كانت هناك اجتهادات ابن رشد وقضية العقل. أين جماعة الإخوان المسلمين من هذا؟ وبعد ذلك حظروا مبدأ إعمال العقل، وصولاً إلى موقفهم من قتل فرج فودة، فضلاً عما سبق من تكفير نجيب محفوظ وتكفير المبدعين وقضايا الحسبة وغيرها». ولخصت النقاش العلاقة بالإشارة إلى ما يعيق التفاهم بين المثقفين والإخوان، فقالت: «الألغام التي في الأرض بيننا وبين الإخوان كثيرة. والذي سيحل المشكلة أن يحدث نقد تاريخي شامل لما فعله «الإخوان»، وفي هذه الحالة يمكننا أن نجد أرضاً مشتركة بين كل القوى الفكرية وجماعة الإخوان المسلمين». الناقد د. طارق النعمان طالب الإخوان «أن ينمُّوا أنفسهم اجتماعياً وسياسياً كي يتوافقوا مع التيارات الأخرى»، إلا أنه شنَّ هجوماً كاسحاً عليهم، فقال: «المشكلة أن الإخوان تصوروا أنهم على كل شيء قادرون، فبعد أن خرجوا من العمل السري تحت الأرض ما زالوا يريدون أن يأخذوا المجتمع إلى أسفل، وهم غير قادرين على فهم المجتمع وأنا أشفق عليه كثيراً من ذلك. «الإخوان» لديهم قدر كبير من الانتهازية السياسية، وهذا يتجلى في أكثر من ناحية». وتحدث د. النعمان عن استعلاء «الإخوان» وتزكية النفس وتناقضهم حتى في تسمية حزب الحرية والعدالة! «أوليس من المفارقات أن أسمي جماعة مبدأها الأول السمع والطاعة كحزب سياسي، بحزب الحرية والعدالة، أليست هذه مفارقة؟ أيضاً شعار «الإسلام هو الحل»، فبماذا تفسرون نهضة الدول الشيوعية وأيضاً الدول الغربية واللاتينية»؟ أما الشاعر والناقد «شعبان يوسف»، فأعرب عن تفاؤله مهما ساءت الظروف، «لأنه ليس هناك فاشية ما طغت على الإبداع. هذا الأخير سيتنفس تحت أي حكم، وتحت أي ظلال ولو كانت كثيفة. تاريخ الجماعة لم يقدم مبدعين على درجة رفيعة مثل نجيب محفوظ أو يوسف إدريس، بل بالعكس جماعة «الإخوان» وقفت ضد الإبداع بشكل كبير جداً، بدليل أن رواية نجب محفوظ صودرت بتقرير من الشيخ محمد الغزالي، ومُنعت الرواية لمدة 40 سنة من النشر، وعندما نشرت لم يفسد الشعب المصري على الإطلاق». واستطرد د. النعمان في اتهاماته فقال: «تاريخ الإخوان المسلمين فيه درجة من الإقصاء، ففي سنة 1992 صودرت ثمانية كتب في معرض الكتاب منها خمسة كتب للدكتور سعيد العشماوي. وعندما اغتيل فرج فودة كان تعليق المرشد إن الدولة هي المسؤولة عن اغتياله عندما سمحت له بالظهور في الإعلام». ولم يُدِن المرشد قاتله». المخرج السينمائي مجدي أحمد علي يقول: سبب قلقنا الآن من الإخوان، «إنهم ما زالوا يعيشون في المرحلة السابقة متأثرين بآراء السلفيين، وصاروا أقرب إلى السلفيين المتشددين، عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين الوسطية التي كنا نتعايش معها في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. المشكلة أنهم يتمسكون بفكرة احتكار الحقيقة الذي هو أصل الأسلمة، والذي يؤدي باليقين إلى الفاشية. كلنا بشر وليس من حق أحد أن يفرض على الآخرين العبادة أو مناهج معينة». الشيء الملفت للنظر، لاحظ المخرج السينمائي نفسه، مجاملة الإخوان للقوى المتناقضة: «فهم مع اليساريين يبدون توافقاً، ومع السلفيين يصفونهم بأنهم إخوة كرام! وكيف يُسمّونهم كذلك وهم الذين فجروا القنابل وقتلوا السائحين واغتالوا معارضيهم من أهل الفكر، فكيف يصفهم الإخوان بأنهم أخوة كرام، وأيديهم ملوثة بالدماء؟ وكيف يتم الإفراج الآن عن قاتل فرج فودة الذي لم يمض على اغتياله عشر سنوات، وكانت كل جريمة فودة رفضه لعنف ودموية جماعات التطرف. السلفيون الذين قتلوا جنودنا في سيناء وروعوا الآمنين لم يُعتقلوا لأفكارهم المتشددة بل لدمويتهم وجرائمهم. الحقيقة أن ما أخشاه هو عدم تغير الخطاب عند جماعة الإخوان وأنهم في النهاية يُغلِّبون مصلحتهم فقط ومشروعهم. إذا كنت أفخر بأنني يساري فلا مانع عندي من اتباع الإخوان إذا عملوا على إنقاذ الوطن من الهاوية التي يسير نحوها، وأعلنوا خطوات محددة لنهضة حقيقية لمصر». وطالب الكاتب والمترجم «ربيع مفتاح» الإخوان بأن يدركوا جيداً تعددية وتنوع تركيبة الشعب المصري، وقال: «لستُ متفائلاً لأنهم يراهنون على صندوق الانتخاب ويراهنون على الأربعين مليوناً الذين لا يجدون ما يأكلون ولا يشربون ولا يسكنون». خليل علي حيدر كاتب ومفكر - الكويت