بصدور أحكام القضاء بحق المتهمين بتشكيل التنظيم السري الذي كان يخطط لقلب نظام الحكم في البلاد، يأمل مجتمع الإمارات أن تكون صفحة بغيضة قد طويت، وأن نكون جميعاً، قيادة وشعباً، قد خرجنا من تجربة لن تزيدنا سوى قوة وإصراراً على المضي في طريق التنمية الشاملة المستدامة والتقدم والرقي ورفاهية الوطن والمواطنين، فتلك التجربة أمر عارض وظاهرة دخيلة لم يعهدها أبناء هذا الوطن في تاريخهم المجيد المليء بإنجازات الماضي والحاضر، جلبتها معها فلول لم تفلح في التعامل مع قضايا أوطانها، فجاءت إلينا تريد بث أيديولوجيتها التي ثبت بأنها مليئة بشعارات جوفاء ظاهرها الدين وباطنها الطمع والسعي إلى الثروة والسلطة، والاستيلاء على مقدرات الأوطان في سبيل قيام قادة تلك الحركات ببناء أمجادهم الشخصية وتحقيق أوهامهم ببناء الدولة الدينية. لكن مثل تلك الأوهام غير قابلة للتحقق في وطن أهله متماسكون تحنو فيه القيادة على شعبها ويحب فيه الشعب هذه القيادة كرمز لحب الوطن والتفاني في خدمته والذود عن حياضه، فالبيئة المؤسسية التي تم إرساؤها في دولة الإمارات تحت مظلتها أخوة متحابون ضمن نسيج وطني يشكل صرحاً شامخاً. ومن هذا المنطلق يعلم شعب الإمارات بأن أي مساس بهذه البنية المؤسسية التي يتوافق عليها الجميع يعرض الوطن للخطر ويهدد بتفكك بنية المجتمع ويخلق بين ظهرانيه تحزبات وتكتلات خطيرة هو في غنى عنها، لأنها قد تعمل كمعاول هدم لأبنية مؤسسية مركزية عاشت عليها الإمارات لما يزيد على ثلاثمائة عام أو نيف، وترتكز على وجود نخبة سياسية ومؤسسات اقتصادية وإدارية واجتماعية راسخة بقوة. وما نراه أن ما حدث، وبصيغ سيسيولوجية، كان محاولة حركتها أطراف خارجية تهدف إلى تمزيق مجتمع تقليدي-تحديثي عرفته الإمارات منذ نشأتها الأولى، واستبداله بشيء آخر غريب على شعب الإمارات الأبي المشبع بروح الولاء والانتماء لوطنه وقيادته. ما كان يريده هؤلاء هو شيء مشابه لما يتواجد في دول أخرى من دول الجوار الجغرافي، لكن الإمارات عبر تواجدها السياسي الطويل، فضاؤها السياسي الداخلي متماسك حول وجود نخبتها السياسية التي تقود وتشكل مركزاً جامعاً وفلكاً جاذباً تدور حوله كافة أطياف المجتمع في تناغم مستمر من دون وجود مظاهر خلاف أو صراع يهدف إلى تدمير ذلك الفلك. وبسبب عظمة الإمارات وقيادتها وشعبها، ونزاهة قضائها، ورغم فداحة الجرم الذي ارتكبته المجموعة التي أدانها القضاء، إلا أن الأحكام التي صدرت كانت مخففة، وهذا دليل قاطع على أن ردة فعل وطن بثقل الإمارات لم تكن عاطفية أو سطحية أو مجردة من الموضوعية القانونية، بل أصدرت على أسس ثابتة من القانون العادل والقضاء المحايد النزيه. لذلك فإن محاولة قلب الأوضاع السياسية القائمة وتغيير العملية السياسية عن طريق التخطيط للانقلاب عبر مجموعة لم تراع لهذا الوطن حرمة أو تقدر له فضلاً، باستخدام أيديولوجية وشعارات سياسية يتم توجيهها من الخارج، لا يبدو بأنها تجدي نفعاً بسبب وعي مجتمع الإمارات لمثل هذه الأساليب وحذره الشديد منها، فهو مجتمع يعلم بأن هذه الأساليب ذات مردودات عكسية على بنية الدولة وسلامة المجتمع. تضرعنا إلى المولى عز وجل في هذا الشهر الفضيل أن تكون هذه التجربة سحابة صيف عابرة تعلمت منها الإمارات بأن الزبد يفنى، وتبقى الحقائق وحدها هي الراسخة.