لا شك أن إدوارد سنودن المتعهد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي، المطلوب من قبل سلطات الولايات المتحدة لتسريبه وثائق عن الرقابة الأميركية، قد أحرج واشنطن، بكشفه عن تفاصيل شبكة الوكالة المعقدة التي تقوم بأنشطة تجسسية تستهدف المواطنين الأميركيين، في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الهند والصين. وقد قام «سنودن» مستخدماً هونج كونج كقاعدة لنشاطه، بالكشف عن قصص خبرية للمراسلين الصحفيين التابعين لإحدى الصحف البريطانية، عن المدى الواسع النطاق للأنشطة التجسسية الأميركية. وكشفت الوثائق التي سربها «سنودن» وجود برنامج يسمى «بريزم» يتيح للأجهزة الأمنية الأميركية النفاذ لرسائل البريد الإلكتروني، وغرف المحادثة، وصور الفيديو الخاصة بشركات شهيرة مثل «فيسبوك» و«جوجل». وقد شعرت الهند بالانزعاج، عندما علمت أن سفارتها في واشنطن، كانت تتعرض للتجسس من جانب أجهزة الاستخبارات الأميركية، وتنوي مناقشة الأمر مع الإدارة الأميركية. وكان موضوع الأمن المعلوماتي قد تحول في الآونة الأخيرة إلى مصدر للقلق بالنسبة للهند. ويشمل ذلك كل شيء تقريباً من القرصنة الإلكترونية، حتى النصب على الكمبيوتر، وسرقة الهويات، والفيروسات، والإرهاب المعلوماتي. ومن المعروف أن الحكومة الهندية ذاتها، كانت هدفاً مستمراً للعديد من محاولات شن هجمات إلكترونية. فوفقاً للمعلومات المتوافرة، تعرض 774 موقعاً حكومياً هندياً للقرصنة، خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت الصين هي مصدر تلك القرصنة في كثير من الحالات حيث ينشط قراصنتها في استهداف مواقع في الفضاء الإلكتروني ليس في الهند فحسب، وإنما في الولايات المتحدة أيضاً. وعلى الرغم من العديد من الأدلة الدامغة على أن مصدر تلك الهجمات هو الصين، تُصر بكين على إنكار أن الدولة الصينية أو أجهزتها الاستخباراتية تقدم يد العون للقراصنة، تحت أي ظرف من الظروف. وتشير الإحصائيات أيضاً إلى أن الهند تعرضت عام 2011، لـ13 ألف هجوم إلكتروني. وفي إحدى تلك المرات شن القراصنة هجوماً منسقاً على أجهزة الكمبيوتر التابعة لوزارة الداخلية، ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي. ونظراً لما انطوت عليه تلك الهجمات من خطورة بالغة، قررت الحكومة الهندية في الأسبوع نفسه، الذي كشف فيه «سنودن» النقاب عن أجهزة التجسس الأميركية، تدشين سياسة أمن معلوماتي جديدة. تهدف تلك السياسة لتحقيق درجة أفضل من التنسيق بين الأجهزة الحكومية المتعددة مثل وزارتي الداخلية والدفاع اللتين تتعاملان مع التهديدات الإلكترونية، كما تهدف كذلك لتحقيق درجة أكبر من التعاون مع شركات الأمن المعلوماتي الخاصة، والتحفيز على تصنيع برامج دفاعية محلية مضادة للقرصنة، وتوفير التدريب لنصف مليون شخص متخصص للعمل كخبراء في مجال الأمن المعلوماتي خلال السنوات الخمس القادمة. واستقطاب هؤلاء الخبراء، وتوفير التدريب المكثف لهم، ينظر إليه باعتباره مفتاحاً من المفاتيح الأساسية لتحسين الأمن المعلوماتي للهند التي تعاني في الوقت الراهن من نقص الأفراد المدربين في هذا المجال. ولتحقيق بعض تلك الأهداف- على أقل تقدير- قررت الحكومة الهندية تأسيس وكالة قومية للتنسيق ومعالجة تهديدات الأمن المعلوماتي، التي تواجه المنشآت العسكرية للدولة، والمنظمات الحكومية، وشركات القطاع الخاص كجزء من بنية الأمن المعلوماتي المزمع إنشاؤها. وقد شرح وزير الاتصالات الهندي أن اقتصاد البلاد يمكن أن يتعرض للهجمات الإلكترونية، شأنه في ذلك شأن محطات القوى الكهربائية، والمطارات، والبنوك وجميع المؤسسات الأخرى التي توجد لها مواقع في شبكة الإنترنت، وهو ما يجعل منها هدفاً سهلا لهجمات القراصنة. يمثل ذلك الإطار العريض للرؤية الهندية لموضوع الأمن المعلوماتي، الذي يبرز كجبهة جديدة ليس فقط في نطاق الحرب العالمية على الإرهاب، وإنما في نطاق مكافحة كافة أنواع وأنشطة الجاسوسية. كما قررت الحكومة الهندية أيضاً إنشاء جهاز جديد يطلق عليه «المركز الوطني لحماية البنية التحتية للمعلومات الحرجة» وهذا المركز سيشرف على عدد من الأجهزة، التي تعمل على مدار الساعة للتعامل مع الهجمات الإلكترونية بمجرد وقوعها، كما سيشرف على مركز فكري لمدخلات سياسة الأمن المعلوماتي، كما سيشرف على كافة مراحل إنشاء برنامج تدريبي للأمن المعلوماتي. كما يسعى المركز أيضاً لشراكة أوسع نطاقاً مع القطاع الخاص، وعلى وجه التحديد المؤسسات المالية والبنوك، وشركات الطيران، ومحطات القوى الكهربائية ومراكز الرعاية الصحية. والتحدي الأكبر للحكومة الهندية في هذا المنعطف، هو وضع السياسة الخاصة ببناء بنية تحتية للأمن المعلوماتي في جميع المنشآت الحيوية تحت التنفيذ الفعلي. يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة الهندية على جبهة الأمن المعلوماتي، هو موازنة مصالح الأمن القومي مع الموضوعات المتعلقة بخصوصية الأفراد، خصوصاً في الوقت الحالي، الذي تستعد فيه تلك الحكومة لتطبيق ما يعرف بـ«منظومة المراقبة المركزية» التي تتيح الإمكانية لمؤسسات إنفاذ القانون، وغيرها من الأجهزة الاستخباراتية، للاهتمام بالمكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، والرسائل الإلكترونية. وهذا النظام كما يعتقد كثيرون سيسمح للحكومة بالتجسس على مواطنيها، وهو ما يعد تعدياً على حقوق الخصوصية، والتعبير الحر. ومع ذلك فإن الحكومة من وجهة نظره، ترى أن الاعتبار الأول الذي يجب أن يفوق ما عداه هو اعتبار تحقيق الأمن القومي للهند بأسرها. ويشار إلى أنه خلال الهجمات التي وقعت على مومباي عام 2008 استخدم الإرهابيون تقنية «الصوت عبر الإنترنت» أو «بروتوكول الإنترنت»، كي يظلوا على اتصال مع بعضهم بعضاً، وهو شيء اكتشفته الأجهزة الأمنية بالصدفة خلال التحقيقات التي كانت تجريها على الحادث. بيد أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة الهندية، هو ضمان تحقيق الأمن المعلوماتي في بلد يوجد به 160 مليون شخص على الأقل من مواطنيه لديهم قدرة على الدخول على شبكة الإنترنت- وهو عدد مرشح للتزايد باستمرار، كما يوجد لدى مؤسساته المالية والمصرفية اهتمام لإنجاز معاملاتها على شبكة الإنترنت. لذلك فبالإضافة للاهتمام بأمن البلاد، هناك أهمية قصوى للاهتمام بالأمن المعلوماتي للأفراد.