قام عبد الرحمن ابن الداعية يوسف القرضاوي بتوجيه رسالة لأبيه، يُعلن فيها تضامنه مع شباب الثورة، واعتراضه على الفتوى التي أطلقها أبوه بوجوب تأييد محمد مرسي والتمسّك بشرعيته. وقد لفت انتباهي أن سطور رسالة الابن مفعمة بعنفوان الشباب، حيث يقول له في مستهل الرسالة: «إنّ اللحظة الراهنة مختلفة تماماً عن تجربة جيلكم كله، ذلك الجيل الذي لم يعرف الثورات الشعبيّة الحقيقية، ولم يقترب من إرادة الشعوب وأفكار الشباب المتجاوزة..». في موضع ثان يُوضّح لأبيه رؤية جيله بالقول: «نحن جيل تعلّم أن لا يسمح لبذرة الاستبداد بالاستقرار على الأرض، وقرر أن يقتلعها من عامها الأول قبل أن تنمو، فهي شجرة خبيثة لا بدَّ أن تُجتثّ من فوق الأرض.. لقد عاهدنا هذا الرجل ووعدنا بالتوافق على الدستور، ولم يفِ، وبالتوافق على الوزارة، ولم يفِ، وبالمشاركة لا المغالبة في حكم مصر، ولم يفِ، وبأن يكون رئيساً لكل المصريين، ولم يفِ.. لقد حفظتُ منك كلمة لا أنساها، لقد قلتَ لي ولكل جيلنا (الحرية قبل الشريعة)، وبهذه الكلمة كنتُ وما زلتُ من الثائرين الذين يُطالبون بالحرية للناس جميعاً.. لم أرَ أن من حقّي فرض الشريعة على أحد، بل شغلتُ نفسي بتحريض الناس أن يكونوا أحراراً، فالحرية والشريعة عندي سواء، وهل خُلق الناس إلا ليكونوا أحراراً!». في نهاية الرسالة يقول لأبيه: «لقد آن لهذه الأمة أن تخوض الصعب، وأن ترسم الحدود بين ما هو ديني، وما هو سياسي، لكي نعرف متى يتحدّث الفقهاء، ومتى يتحدّث السياسيون. سوف يقف هذا الجيل الاستثنائي أمام كل ظالم، ولن يترك ثورته حتى يبلغ بها ما أراد، سواء ظالم يلبس الخوذة، أو القبعة، أو العمامة». هذه الرسالة تُبيّن الفجوة العميقة بين جيل الأمس وجيل اليوم، واختلاف نظرة الطرفين للأمور، وطريقة التعامل معها، فكيف إذا صدرت من شاب نشأ في مناخ ديني، وعلى يد أب ما زال يشغل الدنيا بفتاويه التي تحظى بمباركة البعض وتُثير غضب البعض الآخر عليها! لقد آن الوقت أن يُساهم الشباب العربي في صُنع القرار، وأن يكون لهم دور فعّال داخل الحياة السياسية، وما جرى على يد شباب «تمرد» بمصر والدور الرئيسي الذي لعبوه في إنجاح ثورتهم، دليل دامغ على أن الشباب العربي يعرف خطواته جيداً، ولم يعد ينظر للوراء، أو يرمي حمولة مستقبله على الأجيال التي سبقته! والظواهر تُؤكد على أن الشباب العربي قادم بقوة «تسونامي» التي لن يستطيع أحد الوقوف أمامها أو كسر شوكتها وتقويض أمانيها! نعم لقد أصاب الابن حين لمّح بأن جيل الأمس تعوّد على الصبر والانحناء للريح حتى تعبر بسلام، وهو ما يُناقض نظرة شباب اليوم برفضهم أي تنازلات تتعارض مع رؤاهم المستقبلية، ويستوجب تشريع النوافذ لهم، وفتح الأبواب على مصراعيها، كي يُثبتّوا أقدامهم، ويُحققوا ما فشلت في صنعه الأجيال التي سبقتهم. هذا القول لا يعني بأن على الشباب إقصاء الأجيال السابقة، بل يجب الاستفادة من خبراتها والاستماع لنصائحها الحياتية، كي يكون هناك نوع من التوازن الاجتماعي. صحيح لقد صُدم جيل اليوم في بعض قياداته، وعانى طويلاً من عفونة الفساد التي صاحبوها زمناً طويلاً، فحرمت الشباب من أن يبنوا صرح أوطانهم، لكن ما زال في جيل الأمس قيادات شريفة ونزيهة، لم تلونها الحسابات الخاصة، ولم تُغيّرها المطامع الشخصيّة. ضخ دماء شبابية في أوردة مجتمعاتنا، هي الخلاص من حجم القلاقل والاضطرابات التي ابتلت بها مجتمعاتنا. لا تستهينوا بهم فهم نور الفجر الجديد.