عندما يتعلق الأمر بالوعد والخطر في الاقتصاد الأميركي، فإن غرائز الأميركيين تميل عادة للاستماع إلى شخص لديه الخبرة والمعرفة في المجال الذي يعد بالأمل أو ينذر بالخطر. وعندما يتعلق الأمر باحتمالات الرخاء والتوقعات المتعلقة بالقطاع العقاري، فإن الكثيرين منهم يحبذون السماع لشخصية مثل «ميريديث ويتني» التي صنفت ضمن خمسين امرأة هنّ الأكثر نفوذاً في مجال المال والأعمال في الولايات المتحدة لأربعة أعوام متتالية، كما لفتت انتباه الأميركيين بتنبؤاتها التي ثبت صوابها فيما بعد حول أسعار المساكن، وصناعة الرهن العقاري، والأزمة المالية الوشيكة في عام 2007، بينما كانت العادة آنذاك استخدم تعبيرات وردية لوصف الوضع الاقتصادي. ورؤية «ويتني» للانهيار الكبير عام 2008 يتضمنها الكتاب الذي نعرضه هنا وعنوانه «مصير الولايات... الجغرافيا الجديدة للرخاء الأميركي»، والذي يقدم شرحاً لما حدث، والأسباب التي قادت لانهيار هذا القطاع الهام. وتتوصل المؤلفة إلى بعض الاستنتاجات البصيرة منها أنه «في المدى القصير لن يكون من الممكن سد الفجوة بين الولايات الغنية والولايات الفقيرة من دون اللجوء لإحداث عملية -إعادة تضخم- على نحو سريع لسوق الإسكان»، لكنها تستدرك بالقول إن «حدوث ذلك لا يبدو محتملا، خصوصاً إذا أخذنا حالة التمويل العقاري الحالية في الحسبان». لكن الكتاب لا يدور حول الصناعة العقارية فحسب، وإنما يسعى لتقديم فحص شامل للاتجاه الذي يمضي نحوه اقتصاد البلاد، وتحديد الرابحين والخاسرين في عملية التغيير الكبرى التي يشهدها الأميركيون حالياً. والحجة الرئيسية للكاتبة تتمثل في أن الولايات التي ضاعت عليها فرصة التمتع بالازدهار الكبير خلال العقد الماضي، وعانت من الانهيار الذي تلا ذلك، باتت الآن في وضع يتيح لها الانتعاش خلال الفترة القادمة. ولشرح تلك النقطة تقول الكاتبة إن «الولايات الساحلية والولايات الواقعة في حزام الشمس لم يعد بمقدورها الإنفاق بالقدر الذي اعتادت أن تنفق به سابقاً، وبالذات في مجال الخدمات والترفيه... بينما تشهد الآن ولايات (الممر المركزي)، والتي تمتد من مونتانا وداكوتا وصولا لتكساس، ازدهاراً وارتفاعاً كبيراً في الإنفاق على الخدمات الأساسية». وفي معرض التدليل على صحة طرحها، تشير الكاتبة إلى التغيرات الديموغرافية الكبيرة الجارية حالياً في الولايات المتحدة، وتقول إنها تغيرات لم تكن لتحدث لو لم تكن حظوظ الولايات قد تغيرت، وأصبح بعضها جاذباً للسكان بسبب توافر فرص العمل، والبيئة الضريبية المواتية، واعتدال المناخ. وهي ترى أن تحول حظوظ تلك الولايات، وازدياد ثراء بعضها على حساب الأخريات، يرجع للإنفاق الكبير من قبل قطاعات متزايدة من السكان على قطاع الخدمات بالدرجة الأولى، وقطاع الترفيه والسلع الأساسية بدرجة أقل، بالإضافة لزيادة الاستثمارات، ما يؤدي إلى خلق مزيد من فرص العمل. وتشير المؤلفة إلى نقطة هامة أخرى، وهي أن انتقال السكان للعيش في تلك الولايات، لا يرجع فحسب لزيادة فرص العمل وإنما إلى توافر كافة الاحتياجات وارتفاع نوعية الحياة. وهي ترى أنه لو كانت كل الأشياء متساوية بين الولايات فإن الكثير من الأميركيين كانوا سيفضلون العيش في ولايات تتمتع بمناخ دافئ، ومناظر ساحلية فاتنة، على العيش في ولايات ذات أجواء قاسية، وبيئة طبيعية أقل جمالا. ورغم أن الكثيرين من المحللين والخبراء يتوقعون أن تمضي الأمور على النحو الراهن نفسه، بحيث تزداد الولايات المزدهرة ذات الاقتصاد القوي، والموارد الطبيعية الوفيرة، قوةً وازدهاراً، بينما تزداد الولايات المنكشفة ضعفاً. لكن ذلك في رأي المؤلفة ليس مصيراً حتمياً، فالشيء الوحيد الذي يمكن أن يعكس وضع الاتجاهات الأكثر سلبية يتطلب إرادة سياسية، لا يبدو أنها متوافرة في الولايات المتحدة حالياً. وفي معرض تفسيرها لغياب الإرادة السياسية في الولايات المتحدة بخصوص هذا الأمر، تورد المؤلفة المثال الخاص بـ«ريك سكوت»، حاكم ولاية فلوريدا الذي أدخل إصلاحات تقدمية في ولايته، والتي كانت قد تعرضت لخسائر كبيرة بسبب انفجار فقاعة الرهن العقاري، فاستطاع تحويل مسار اقتصاد الولاية، وكان يجب أن ينال الثناء على ذلك، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أنه يعاني الآن من أقل نسبة قبول مقارنة بحكام الولايات الأخرى. سعيد كامل الكتاب: مصير الولايات... الجغرافيا الجديدة للرخاء الأميركي المؤلف: ميريديث ويتني الناشر: بورتفوليو هارد كوفر تاريخ النشر: 2013 -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست رايترز جروب»