عند التأريخ للحرب العالمية الثانية عادة ما تشير كتب التاريخ إلى أن بدايتها كانت في عام 1939 عندما اجتاحت الجيوش الألمانية بولندا، بينما كانت بدايتها على الضفة الأخرى للأطلسي مع الهجوم على «بيرل هاربر» في 1941. أما الروس فيجعلون بدايتها مع انطلاق الحملة الألمانية. إلا أن الحرب في الحقيقة كما يقول «رانا ميتر»، المؤرخ وأستاذ تاريخ الصين بجامعة أكسفورد، في كتابه «حرب الصين ضد اليابان... 1937-1945»، بدأت قبل ذلك بسنوات، وتحديداً في عام 1931 عندما غزت اليابان إقليم منشوريا الصيني، ثم تصاعدت الحرب الصينية اليابانية لتصل ذروتها في عام 1937 مع توغل القوات اليابانية عميقاً في الأراضي الصينية والمقاومة الصينية الشرسة التي واجهتها. لكن رغم هذا التاريخ المبكر لانطلاق الحرب العالمية الثانية، ظلت قراءة أحداثاتها، يقول الكاتب، حبيسة الرؤية الغربية التي ركزت على ساحة الحرب الرئيسية في أوروبا ودخول أميركا على جبهة المحيط الهادئ، فيما كانت الصين تواجه وحدها جيوش اليابان دون مساعدة من أحد. ومع أن الصين كانت أول من واجه دول المحور ولعبت دوراً كبيراً في إنهاك اليابان على الجبهة الشرقية، فإنه نادراً ما يعترف لها بهذه المساهمة، والسبب كما يوضح الكتاب راجع أولًا إلى المركزية الأوروبية التي لا ترى شيئاً ذا أهمية خارج الغرب، وثانياً للاختلاف الأيديولوجي الذي احتد بعد انتصار الصين عام 1945 وتحولها نحو الشيوعية. إلا أنه، وبصرف النظر عن القراءات الأيديولوجية للتاريخ، فقد خاضت الصين، وهي البلد الفقير والمتأخر، على مدى ثماني سنوات، حرباً ضروساً ضد اليابان كانت لها تكلفة باهظة، وقد سقط فيها على الجانب الصيني 15 مليون قتيل، وهو الرقم الأعلى بعد القتلى الروس. لكن التجاهل الغربي لمعاناة الصين خلال الحرب العالمية الثانية والصمود البطولي الذي أظهرته، بدأ يتلاشى مع الصعود الصيني الذي يفرض نفسه حالياً ويحتم على الغرب إعادة قراءة فصول قاتمة من تلك الحرب، لاسيما أن تجربة الحرب الصينية مع اليابان ستترك جراحاً غائرة في الوجدان الصيني تفسر العداوة الحالية بين البلدين. فحين زحفت القوات اليابانية، كانت الصين مهلهلة وغير قادرة على مواجهة اليابان الإمبراطورية بتقدمها العسكري والتكنولوجي، بسبب تشتت القوات الصينية وانقسامها بين أمراء الحرب وأصحاب النفوذ؛ فمن جهة كانت هناك الحكومة التي يقودها الوطنيون تحت رئاسة «تشيانج»، ومن جهة أخرى كانت هناك المناطق الشمالية الخاضعة للقوات الشيوعية بقيادة «ماوتسي تونج». وكل طرف كان يقاوم الاجتياح الياباني بطريقته. لكن الصين، ورغم حشودها البشرية، كانت عاجزة عن صد عدوان اليابان بالنظر لتفوق الأخيرة واستيعابها منجزات الحداثة الصناعية الغربية، وهو تفوق أسست له اليابان منذ القرن التاسع عشر. فبينما انعزلت الصين وانغلقت على نفسها رافضة التعامل مع الغرب، كانت اليابان تنهل من منجزات الغرب الحضارية، في الصناعة والتعليم وبناء جيش حديث. وعندما قررت اليابان التوسع كانت الصين هي المجال الطبيعي لتحقيق طموحاتها التوسعية. ولأن الوضع السياسي في الصين لم يكن مستقراً، بسبب الاختلالات التي عاناها حكم «تشيانج»، والفساد الذي كانت ترزح تحته النخب السياسية، فقد سهلت مهمة اليابان في السنوات الأولى للحرب، ولم تشعر أنها تورطت في مستنقع طويل إلا بعد اشتداد المقاومة، هذه المقاومة التي يحتفي بها الكتاب من خلال تسليط الضوء على بطولات الصينيين في معاركهم وصمودهم الأسطوري، في محاولة لإعادة الاعتبار لحرب ظلمها التاريخ ولم يعطها ما تستحقه. فبينما كانت القوى الأوروبية تتساقط تباعاً تحت مجنزرات الدبابات الألمانية، حيث فقدت فرنسا استقلالها، مستسلمة في عام 1939 لهتلر، رفضت الصين رفع الراية البيضاء وظلت تقاوم الجيوش اليابانية، رغم التكلفة البشرية الفادحة. لكن الحرب ستتخذ وجهة أخرى مع انخراط الولايات المتحدة ليتشتت بذلك التركيز الياباني بين جبهة المحيط الهادئ مع الأسطول الأميركي الزاحف والمقاومة الصينية الشرسة، ودخول الاتحاد السوفييتي على الخط حيث بدأ يساعد الشيوعيين الصينيين ولا يغفل الكتاب الإشارة إلى تأثيرات الحرب على ما ستصبح عليه الصين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اختار الصينيون الحسم حتى لو كلفهم ذلك الدخول في حرب أهلية للتخلص من حكم فاسد واعتناق الحداثة من بواباتها الماركسية. زهير الكساب -------- الكتاب: حرب الصين ضد اليابان... 1937-1945 المؤلف: رانا ميتر الناشر: آلان لين تاريخ النشر: 2013