الصوم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ورمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وهو سيد الشهور وقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم في سورة البقرة حيث قال: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان». إنه الشهر الذي نزلت فيه جميع رسالات السماء، من صحف إبراهيم إلى التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، إنه شهر أعز الله تعالى فيه نبيه ودينه وحقق فيه أعظم الفتوحات والانتصارات. وما كلف الله جلّ وعلى عباده بالصوم إلا لحكمة عظيمة وفوائد كبيرة تعود على الصائم في الدنيا والآخرة، حيث أعد الله له الكثير من الخيرات والحسنات والأجر العظيم، وجعل كل تلك الخيرات مفتاح وصول العبد إلى ربه ليقترب من طاعته ويلتزم في جميع أوقاته وممارساته بصدق عبادته ويبعد النفس عن الهوى إلى التفاني في الطاعات. وكلما زاد اقتراب العبد من ربه زادت معرفته بالخالق تعالى. والمعرفة، كما يقول العارفون، توجب السكينة والاطمئنان في القلب. وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال: «ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها». ولقد أثبت الطب الحديث أن للصوم فوائد صحية عظيمة، وحثّ كبار الأطباء على ممارسته، فهو يعين جسم الإنسان على أداء وظائفه الحيوية بكفاءة وفاعلية، لذلك فهو علاج للكثير من الأمراض. إن المقصود بالصوم هو تهذيب النفس وتطهيرها مما علق بها من شوائب وأمراض مثل الكراهية والحقد والحسد والبغضاء والكبر والغرور والطغيان... حتى تلين وتنقاد لأوامر رب العباد، لأن النفوس إذا اعتادت على عمل الخيرات وحب الحسنات وتركت المعاصي والذنوب وعادت إلى أمر الخالق جل جلاله مطهرة عفيفة نقية، أصبحت في ملكوت الله تحظى برضا الخالق سبحانه وتعالى، وهذا من أعظم مقاصد العبادة، وهو مجال لتهذيب الأمة، أفراداً وجماعات، بحيث تصبح كلمتها واحدة ورأيها موحداً وهدفها مشتركاً. فمن أراد أن يعرف الطريق الأمثل للاستفادة من فضائل هذا الشهر الكريم، عليه أن يعرف كيف يتعامل مع المنهج الرباني في الصيام وآدابه. إن الصوم هو منهاج رباني تتكامل فيه كل معاني الإيمان والإسلام المشرقة، وتتوحد فيه القلوب والنفوس حول هدف واحد، هو إصلاح القلب وإصلاح النية وبناء النفس، وهو أمر يدفع الأمة إلى إصلاح ذاتها بصورة صادقة وعلى أرض صلبة. إن الصوم هو أحد الأسس المتينة لعلاقة الإنسان بربه، وكثير من المعاني التي ينطوي عليها، مثل الإيثار والصبر والتضامن، تدخل في أي تنمية تطوير وإصلاح اجتماعي عام، لأن صناعة التقدم تشترط في جوهرها وجود النيات الصادقة والقلوب السليمة، والصوم قادر على تحقيق ذلك في الإنسان والأمة المسلمة. إن أزمة المسلمين الأولى في هذا العصر هي أزمة فهم لمعاني العبادة، ومنها عبادة الصوم، وضرورة التعامل مع شهره بصدق النية وقصد العمل، حيث جعل البعض من العبادة مجرد شكل خارجي، أو حركات طقوسية دون مضمون روحي، لذلك شاع الاختلاف والفرقة والفتنة، وعمّ الضعف كثيراً من مجالات الحياة.