الذي يقرأ في العلاقة الإماراتية المصرية يدرك مدى خصوصية هذه العلاقة العميقة بين الدولتين ومدى الاحترام والتقدير المتبادلين بين قيادتي الدولتين وشعبيهما... ومنذ أيام قليلة قام وفد إماراتي رفيع المستوى برئاسة سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني بزيارة إلى القاهرة، وهذا أول وفد إماراتي يزور مصر بعد أن قرر الشعب المصري تعديل مسار ثورته وتصحيح الأوضاع هناك... وما تقدمت به الإمارات من مساعدات تقدر بثلاثة مليارات دولار يأتي ضمن مسؤوليات الإمارات حيال شقيقتها الكبرى مصر. فسوء الإدارة التي عانت منها مصر خلال الفترة الأخيرة كبّدها خسائر كبيرة أصبحت معها بحاجة إلى دعم الإخوة والأصدقاء حتى تتجاوز الأزمة التي تمر بها. ومصر، كأي بلد في العالم بحاجة إلى رجال يبنون وطنهم وليس جماعة تخطط لتنفيذ أجندتها البعيدة عن مصالح الوطن والمواطن، فخطأ «الإخوان» القاتل كان أنهم ومن خلال محمد مرسي اختاروا أن ينسوا مصر والمصريين وبالتالي أصبحوا خارج اللعبة السياسية. نعيش الآن الفصول الأخيرة في قصة «الإخوان المسلمين» التي بدأت قبل خمسة وثمانين عاماً حين خرج رجل في أقصى البلاد وقال إنه ينشئ جماعة لرعاية العباد، ولنشر دعوة رب العباد، وإعادة خلافة إسلامية سلبت من البلاد. وبعد كل تلك السنوات اكتشف اتباع ذاك الرجل أنهم ليسوا سوى مجموعة تموت في عبادة الكرسي، ومستعدة أن تعلن الجهاد في سبيل السلطة، لا في سبيل الله، فصُدم العباد في الشرق والغرب من هذا الهراء، وتساءلوا: أين الشعارات وأين الإسلام وأين الحل؟ وأتساءل: هل كان يعرف حسن البنا أن نهاية الحركة التي قام بها وأطلقها في مارس 1928 ستبدأ نهاية فصولها في 30 يونيو 2013؟ بالطبع لا هو ولا أحد غيره كان يعرف أو يتوقع ذلك، خصوصاً بعد أن تمكن «الإخوان» من حكم مصر، ووصلوا إلى حكم بلاد عربية أخرى، وفي الوقت نفسه بدأوا يحاولون في دول أخرى! أما في مصر حيث رأس الأفعى، فقد نجح جيل الصقور من جماعة «الإخوان» في تعرية الجماعة، وإسقاط أسطورة «الإخوان» التي كانوا يتغنون بها دائماً على أنها الفئة التي تمتلك أكبر قاعدة جماهيرية في مصر والعالم العربي، فجاء 25 يناير 2011 ليكشف أنهم ليسوا أصحاب الأكثرية، وإنما هم أكثر من ينجح في التسلق على أكتاف الآخرين، وجني ثمار ما يزرعه الآخرون، لكن في ذلك اليوم كان من الصعب أن يصدق الجميع أنهم ليسوا أصحاب الأغلبية، فجاء يوم 30 يونيو، وهو يوم الاحتشاد الشعبي ضد «الإخوان». لقد كان يوماً تاريخياً، حيث كان التجمع أكبر بكثير من مظاهرات ثورة يناير، والأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام المصرية، والمراقبون في مصر تقول إن عدد المتظاهرين ضد حكم «الإخوان» هناك بلغ 33 مليون شخص في ذلك اليوم. لا شك أنه رقم كبير ومرعب لـ«الإخوان»، لذا فإنهم لم يعترفوا به، واعتبروه كذباً، وفي المقابل روجوا لأن التجمعات المؤيدة لهم كانت أكبر... وبعدما ظهرت الحقيقة، حاولوا تقسيم الشعب المصري، لكنهم فشلوا في ذلك، فاختاروا بعد ذلك طريق العنف والمواجهة المسلحة فكانوا سبباً في إزهاق أرواح العشرات من الأبرياء، وإصابة وجرح المئات في معركة لا هدف ديني لها ولا دعوة للإصلاح... إنها حرب من أجل البقاء في السلطة، والجلوس على الكرسي إلى الأبد. وفي المشهد «الإخواني» خارج مصر تتضح أشياء أخرى لا تقل غرابة عن المشهد المصري، فبعد أن سقط القناع عن وجه «الإخوان» في مصر، ظهر الوجه الحقيقي لـ«الإخوان» في الخليج، ليؤكدوا أنهم ليسوا دعاة إصلاح ولا هم أهل وسطية في الإسلام، فمن يدعو الشباب الأبرياء للجهاد والاستشهاد في سبيل مرسي والكرسي لا يبدو أن له علاقة بالوسطية، ولا بالإسلام وسماحته، وإنما علاقته بالعنف والإرهاب أكبر. وهذا للأسف ما فعله قادة «الإخوان» من ميدان رابعة العدوية، حيث قاموا بالتحريض المباشر ضد الدولة المصرية والجيش المصري وكل من لا يتفق معهم في الرأي. وصدمة «الإخوان» في مصر كانت لها تبعات ارتدادية قوية جداً في دول الخليج العربي، فأتباع هذا التنظيم في الخليج لم يتوقفوا هم أيضاً عن التحريض ضد الجيش المصري وكل من يختلف مع حكم «الإخوان»... وكان من الواضح حجم الغضب الذي كانوا يبثونه ضد من يختلفون معهم، والدعوات إلى العنف كانت صادمة للجميع، خصوصاً تلك التي صدرت من بعض الرموز الدينية، التي تبين أنها تابعة لـ«الاخوان المسلمين»، وقبل ذلك لم يكن لأحد أن يدرك أنهم كذلك، بل كان كل الظن أنهم دعاة إلى الله مصلحون يريدون الخير للمجتمع وأفراده... فاتضح أنهم مجموعة «إخوان» لا علاقة لهم بالأوطان التي يعيشون فيها، فهم يتعصبون لـ«الإخوان» يفزعون لهم أكثر مما يفزعون ويغارون على أوطانهم! «الإخوان» انتهوا إلى الأبد، هذا ما يبدو على الأقل في هذه الأيام... فالخسارة التي تكبدوها خلال العام الماضي، لم تُبقِ لهم رصيداً في الشارع المصري والشارع العربي بل أصبحوا يخسرون التعاطف العالمي، الذي ظفروا به خلال السنوات الماضية، وخصوصاً بعد أن اتضح أنهم فاشلون في إدارة الحكم وأن لا مشروع لديهم لإدارة البلاد وأن قاعدتهم الجماهيرية تفككت، ولم تعد بتلك القوة التي كانت عليها قبل 30 يونيو 2013. حفظ الله الإمارات وحفظ الله مصر... وكل عام والجميع بخير بمناسبة شهر رمضان المبارك