بمرور كل عام، يصاب ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين شخص للمرة الأولى بفيروس التهاب الكبد «سي»، وهو ما جعل أعداد المصابين بشكل مزمن بهذا النوع من الفيروس، تتخطى الـ150 مليون شخص حالياً حول العالم، يلقى 350 ألفاً منهم حتفهم سنوياً، بسبب المضاعفات الصحية الناتجة عن المرض، وخصوصاً تليف وسرطان الكبد. وتحدث العدوى بفيروس «سي» عند دخول واختلاط دم مصاب بدم شخص سليم، وهو ما يمكن أن يحدث في أربع حالات محددة، هي: 1- الخضوع لعملية نقل دم ملوث، في حالات الإصابات الخطيرة والنزيف الشديد والعمليات الجراحية، أو تلقي مشتقات دم ملوثة، لعلاج بعض أمراض الدم المزمنة مثل مرض الهيموفيليا والثلاسيميا، أو نقل وزراعة عضو بشري من شخص مريض بالفيروس إلى شخص سليم ضمن عمليات زراعة الأعضاء. 2- عن طريق الحقن الملوثة التي تستخدم لحقن الأدوية والعقاقير الطبية لدى المرضى، أو إصابة أحد أفراد الطاقم الطبي بجرح من هذه الحقن أثناء علاجه لمريض بالفيروس. 3- من الأم المصابة بالفيروس إلى جنينها وطفلها أثناء الحمل والولادة. 4- استخدام وتبادل الحقن الملوثة بين مدمني المخدرات. والسبب الأخير، أي استخدام وتبادل الحقن الملوثة بين مدمني المخدرات، ترى المفوضية الدولية للسياسات المتعلقة بالمخدرات (Global Commission on Drug Policy)، أن الحرب الدولية على المخدرات جعلته سبباً رئيسياً خلف وباء عالميا من العدوى بفيروس الكبد «سي». فحسب تقديرات المفوضية أنه من بين 16 مليون مستخدم للمخدرات عن طريق الحقن يوجد حوالي 10 ملايين مصاب بفيروس الكبد «سي»، وهي نسبة أعلى بمراحل من نسبة الإصابة بين عموم أفراد المجتمعات المختلفة، التي تبدأ من 5 في المائة، لتزداد في بعض الدول عن ذلك. وتتكون هذه المفوضية من لجنة خبراء، عددهم 22، بينهم سبعة رؤساء دول سابقين، وسكرتير الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، بالإضافة إلى كوكبة من السياسيين والقانونيين والزعماء الدوليين. وكانت المفوضية قبل عامين قد نشرت تقييمها للوضع العالمي للحرب على المخدرات، بدأته بقولها: إن الحرب العالمية على المخدرات قد فشلت، ونتجت عنها تبعات فادحة على الأشخاص والمجتمعات حول العالم، حيث لم ينجح التركيز في سياسات مكافحة المخدرات -على مدار أربعة عقود- على تطبيق أقسى القوانين وأشد العقوبات، في تحقيق الهدف المرجو في القضاء على المخدرات، بل على العكس أدى إلى توليد انفجارات واسعة من العنف الشديد. ويطرح تقرير المفوضية بديلًا آخر، يتمثل في عدم تجريم (decriminalizing) استخدام المخدرات، لمن لا يتسببون في أذى للآخرين، ضمن الفلسفة أو السياسة المعروفة بتحرير المخدرات (Drug Liberalization). ويأتي التحذير الأخير للمفوضية عن العلاقة بين سياسات مكافحة المخدرات حالياً وبين انتشار وباء عالمي من فيروس التهاب الكبد «سي»، بعد أن ربطت المفوضية سابقاً بين هذه السياسات وانتشار الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). وفي ظل هذه التبعات الصحية الخطيرة -حسب رأي خبراء المفوضية- والعنف المصاحب لتجارة وتوزيع المخدرات، يرى القائمون على المفوضية أن توجيه المصادر المخصصة حالياً للحرب على المخدرات، إلى إجراءات الوقاية، وسبل العلاج، قد يثمر نتائج أفضل مما هو حاصل حالياً. وعلى نفس المنوال، وفي الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن إدمان المخدرات هو سلوك إجرامي، يفترض التعامل معه من المنظور القانوني العقابي، يتزايد اقتناع أفراد المجتمع الطبي بأن الإدمان مشكلة صحة عامة أكثر منها مشكلة قانونية، ويجب توفير المصادر المالية والفنية الكفيلة بالتعامل معها، ومواجهتها بشكل علمي، مثلها في ذلك مثل العديد من قضايا الصحة العامة الأخرى. ومن الممكن إدراك منشأ الفكرة الداعية لتحرير المخدرات، والمنطلقة من فشل سياسات الحرب على المخدرات حالياً، وهو الفشل الذي يتضح من الحجم الحالي للتجارة العالمية في المخدرات. فإذا ما استثنينا المواد المسموح بها قانوناً، مثل الكحوليات، والنيكوتين، والكافيين، فسنجد أن حجم التجارة العالمية في المخدرات، والأدوية والعقاقير الممنوعة، يقارب حالياً 400 مليار دولار سنوياً، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، وهو ما يزيد على مجموع ميزانيات عشرات من الدول النامية والفقيرة. وقد يرى البعض أن تجريم المخدرات، ربما كان أحد الأسباب الرئيسية خلف نمو حجم تجارتها واستهلاكها إلى هذا القدر الهائل، بناء على أن الممنوع كثيراً ما يكون مرغوباً، بالإضافة إلى أن التجريم قد جعل منها تجارة مربحة للمجرمين والمهربين، ذات هامش ربح خيالي. ويقتنع المؤيدون لفلسفة سياسة تحرير استخدام المخدرات بأن فشل السياسات الحالية، لابد أن يدفعنا للتفكير في أسلوب آخر، أو كما يقال (التفكير خارج الصندوق). كما أن تحرير المخدرات سيولد موارد مالية لميزانيات الدول من خلال الضرائب التي ستفرض عليها، حيث يمكن أن تستخدم هذه الموارد في دعم التعليم والصحة، بدلاً من أن تذهب لجيوب تجار المخدرات كما هو الوضع حالياً. وهو في رأيهم ما سينطبق أيضاً على الموارد المالية التي تخصص حالياً لقوات الشرطة، وإجراءات التقاضي، ونفقات حبس مئات الآلاف في السجون. ويمكن أن يضاف إلى هذه الفوائد، ما تشير إليه المفوضية الدولية للسياسات المتعلقة بالمخدرات، من علاقة تجريم المخدرات بانتشار فيروس الإيدز، وفيروس التهاب الكبد «سي»، بما تحمله هذه الأمراض من فاقد اقتصادي وإنساني فادح.