أظهرت إدارة أوباما قدرة خارقة على تكرار أخطاء السياسة الخارجية، غافلة على ما يبدو عن خبرتنا في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. وقد تعتقدون أنهم في الإدارة، وبعد كل هذا الوقت، يفترض أن يكونوا قد تعلموا دروساً من قبيل أنه: عندما تنهار السلطة المركزية، ينتهز المتطرفون الفرصة ويندفعون لملء الفراغ الناشئ. حدث هذا في العراق، ومالي، وليبيا، وسوريا. ومع ذلك لم تبدِ الإدارة في أي وقت أنها قد استوعبت الدرس، أو اتخذت خطوات لكسر هذه الدائرة الخطرة (بالتصرف على نحو أكثر حسماً في سوريا على سبيل المثال)، أو لحماية الأميركيين (في ليبيا مثلاً). ويفترض أن تكون الإدارة قد أتقنت خمس قواعد على الأقل من القواعد البديهية للأمن القومي الأميركي: 1- أن الانتخابات في الشرق الأوسط ليست هي مفتاح الديمقراطية. وأن احترام حكم القانون، والحريات المدنية الموسعة، وحماية الأقليات، يجب أن تكون مؤشرات لقياس ما إذا كانت دولة معينة تتحرك إلى الأمام (المغرب مثلاً)، أم إلى الخلف. ومن هذا المنظور فإن الملكيات ذات الشرعية السياسية الراغبة في الإصلاح (كالأردن على سبيل المثال) تكون لديها على الأرجح فرصة أفضل -مقارنة بالدول، التي يحكمها طغاة من الدرجة الثانية- في خلق دولة مستقرة، يمضي بها دولاب العمل بشكل طبيعي. 2- يجب أن نستعمل كل الروافع المتاحة لنا. وفي بعض الأحيان قد يتضمن ذلك إيقاف المعونة، أو الحد منها. 3- خصومنا لن يقدموا لنا يد المساعدة. وإلى حد ما اعتقد قليلون أن الإدارة قد خدعت نفسها مراراً وتكراراً (على سبيل المثال هيلاري كلينتون فيما يتعلق بسياسة إعادة ضبط العلاقة مع روسيا، وجون كيري في رغبته بإقامة علاقة خاصة مع الصين، وأوباما في تعاطيه مع الملالي)، واعتقدت أننا نستطيع عن طريق الكلام إقناع خصومنا بالتغاضي عن مصالحهم، ومناشدتهم التعاون معنا من أجل تحقيق هدف أسمى (إيقاف المذبحة في سوريا مثلًا، أو عزل إيران تماماً). وهذا بالطبع محض هراء، ولن يسفر عن تحقيق شيء. 4- أن الاقتصاد يهم بقدر ما يهم الدستور. وكما قال «دوف زاكيم» المسؤول السابق في البنتاجون فإن «معظم الناس في العالم الثالث، وفي كل مكان في الحقيقة، يعطون أولوية قصوى للاستقرار، والأمن، والقدرة على كسب الرزق، وتوفير احتياجات الأسرة، وتعليم الأبناء، وتأمين مستقبل أفضل لهم، وتمتعهم بالحق في ممارسة الشعائر كما يريدون. أما السياسة الخارجية الأميركية، التي تشغل نفسها أكثر من اللازم بالزخارف الخارجية للديمقراطية على حساب الاقتصاد، فستكون سياسة غير فعالة. 5- في حين يحب الرئيس الأميركي أن يتخيل نفسه كساحر في مجال السياسة الخارجية، فإن الأحداث الأخيرة توحي بأنه مثقل بقدر من المشكلات يفوق طاقته، أو أنه غير منتبه تماماً لما يدور حوله. كما أن نزوعه إلى السماح للهموم الداخلية الحزبية بأن تطغى على عملية تحليل الأمن القومي وصناعة السياسات كان كارثياً، حيث كان سبباً في جعلنا نتجاهل الأخطار ولا نعيد التمترس في مواجهة التحديات. وهناك العشرات من الحقائق البديهية الأخرى، ومنها على سبيل المثال أن السياسة الخارجية الفعالة تتطلب قدرة عسكرية قوية، كما تتطلب الوقوف إلى جانب أصدقائنا. وعلى رغم أن تلك الحقائق عادية، وواضحة تمام الوضوح، إلا أن الظاهر هو أنها لم تتخلل أبداً المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وهذا خطأ الرئيس، ولكننا نحن من نتحمل عواقبه. جينيفر روبن كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»