الحسم العسكري الذي حدث في مصر يوم الأربعاء 3 يوليو، وأدى إلى عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، تتعدى أحداثه هذا اليوم، بل حتى الصراع المصري ذاته. إنه يثير أسئلة كثيرة على المستوى العربي ككل. فمثلاً، من المعروف أن «الربيع العربي»، خاصة في الدول التي شيدته مثل تونس ومصر، أصبح ربيعاً إسلامياً. السؤال إذن: هل عزل مرسي واعتقال بعض قيادات جماعة «الإخوان المسلمين»، يعود بنا إلى الشتاء الإسلامي؟ وهل تدخّل القوات المسلحة المصرية بهذه القوة والصراحة يعود بالمنطقة العربية إلى «الحقبة العسكرية» في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وأسفرت عن بروز قيادات عالية القامة مثل عبدالناصر، وهواري بومدين، وحافظ الأسد، وحتى معمر القذافي؟ وهل أصبح «الخيار» أمام معظم الشعوب العربية حالياً: إما الإسلاميون أو العسكريون؟ الحدث المصري يوم الأربعاء 3 يوليو قد يشير إلى هذه الإجابة. نحن نعرف الكثير عن نمط حكم العسكريين، لكن القليل هو المعروف عن البديل الإسلاموي. لماذا أصبح الإسلاميون القوة المسيطرة نتيجة ثورات «الربيع العربي»؟ ثم لماذا كان شهر العسل مع الجماهير قصيراً لهذه الغاية؟ ماذا تقول لنا التجربة المصرية في هذا الصدد؟ في شهر فبراير الماضي قدمت بحثاً بناءً على دعوة من مركز الدراسات الاستراتيجية بالإمارات، وكان الموضوع: لماذا أصبح «الربيع العربي» إسلامياً في مصر وتونس؟ وقد توقعت أن يكون هذا الربيع قصيراً. أما عن وصول الإسلاميين إلى السلطة بهذه السرعة؟ فأرجعته إلى عدة عوامل أكتفي بتأكيد ثلاثة منها هنا: 1- تجذر الشعور الديني داخل معظم المجتمعات العربية، وبالتالي بعبية أي تيار يرتبط من قريب أو بعيد بهذا الدين، حتى لو استخدم شعارات غاية في العمومية مثل «الإسلام هو الحل». 2- تجذر كثير من الجماعات الإسلامية ضمن مجتمعاتها المحلية، في الريف والنجوع البعيدة، وارتباطها بالأهالي عن طريق مشاريع دعاية اجتماعية بسيطة تعوِّض جزئياً غياب الدول في هذا المجال. 3- التنظيم الحديدي الموجود داخل معظم هذه التنظيمات الإسلاموية، والذي يقوم على علاقات الصداقة والقرابة والمصاهرة. بل إن بعض الزيجات تتم دون أن يرى العريس عروسته، وذلك على أساس الانتماء المشترك للجماعة. كما نرى إذن، فإن القليل جداً من التنظيمات البديلة في الساحة العربية السياسية تتمتع بمثل هذه المزايا التنظيمية أو المجتمعية. لكن لماذا إذن تدهورت قيمة عوامل القوة هذه بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم؟ بعض مشاكل حكم الجماعات الإسلاموية تعود إلى سياق المرحلة الانتقالية نفسها، لكن العقبات تعود أيضاً إلى طبيعة هذه التنظيمات نفسها: مثلاً شعارات صعبة التطبيق، عدم خبرة في إدارة الحكم الذي تختلف تحدياته عن الانتظام في صفوف المعارضة، ثم عدم مرونة التركيبة الذهنية نفسها للتكيف مع الوضع الجديد والتعامل مع «الآخر» كشريك وليس كـ«نصراني» أو «كافر» مثلاً. ومن أهم ما يميز سياق المرحلة الانتقالية عدم الصبر على تلبية المطالب، وبعضها في كثير من الأحيان مبالغ فيها. الشعوب انتظرت فترة طويلة وتعتقد بالتالي أن نهاية نظام الاستبداد الطويل ستؤدي إلى نهاية المشاكل، كل المشاكل وفوراً: من انتشار البطالة إلى رداءة التعليم أو الازدحام المروري. النتيجة إذن لهذه المبالغة في التوقعات هي إحباطات متزايدة، وبالتالي الاستمرار في الاعتصامات والاضطرابات والاحتجاجات. تحدي المرحلة الانتقالية هو كذلك تحد حقيقي وكبير لأية حكومة، لكن الجماعات الإسلاموية فشلت في فك طلاسمه ومحاولة التكيف مع الوضع الجديد، بل استمرت كأنها تخوض معارك السنوات السابقة حين كانت لا تزال في صفوف المعارضة أو تعمل تحت الأرض كمنظمات سرية. كما يرجع هذا التعثر إلى تركيبة ذهنية جامدة، تأخذ مرجعيتها من القرن السابع الميلادي بدلاً من القرن الحادي والعشرين. وعدم التكيف هذا أدى إلى عدم القدرة على البحث وإيجاد حلول للمشاكل الآنية، وبالتالي تراكمت هذه المشاكل لتتحول في النهاية إلى أزمات، وفقدان ثقة الشارع في زعمائه الذين رفعهم إلى الحكم منذ عام واحد فقط. وبدلاً من التعامل مع هذا الانفصال عن الشارع كإشكالية تجب مواجهتها، اتخذت إدارة الحكم رد الفعل التقليدي لأية سلطة وصاحت بوجود مؤامرة، ما أدى إلى زيادة الاستقطاب وحتى احتمال حرب أهلية بدلاً من التكاتف الوطني اللازم للخروج من تعثر المرحلة الانتقالية. هل بعد ما حدث في الجزائر في التسعينيات من تعثر جبهة الإنقاذ الإسلامي، ثم الحرب الأهلية، ثم ما حدث في مصر يوم الأربعاء الماضي، تستطيع الحركات الإسلاموية الاستفادة من الدرس وتطبق مبدأ «رب ضارة نافعة»؟ هل تستطيع هذه الحركات دراسة هذا التاريخ لتستخلص الدروس والعبر لمعرفة كيف تكون عضواً مشاركاً في الحكم؟ هل ستكون هناك قيادة إسلامية جديدة، أكثر شباباً، قادرة على فهم العالم المعاصر والتكيف معه؟