فجأة تحول حزب «الحرية والعدالة»، بل جماعة «الإخوان المسلمين» ككل لدولة داخل دولة، وظهرت الأسلحة التي خزنت بكثافة في الشهور الماضية، وانتشرت الميليشيات التي دربت في طهران تعلن التمرد، وكثر الهرج والمرج، وعاثوا في الأرض فساداً وترهيباً بقتل المعارضين لمرسي، ورميهم من فوق أسطح العمارات، والتمثيل بهم والتحرش بالمتظاهرات، ومضايقة المتظاهرين بالسلاح الأبيض، وحتى إطلاق النيران عليهم، والدخول في مناوشات عصابات الشارع مع القوات النظامية، واستخدام الأسلحة الثقيلة وقذائف هاون، و«آر. بي. جي»، في مهاجمة مطار العريش ومواقع الجيش المصري والشرطة في سيناء، وهي الصواريخ ذاتها، التي يستخدمها «حزب الله» الإيراني أقصد اللبناني، ومناداة كل قياداتهم بإعلان الجهاد باسم الجماعة على القوات النظامية والشعب المعارض، فكيف ينادون بشرعية الصناديق وينكرون شرعية «لا ضريبة من دون تمثيل في حكم البلاد»، وشرعية «السلطات الثلاث التي يجب أن لا تختزل في شخص أو جماعة». وشرعية الحكم مسؤولية وتكليف مربوط بالأداء، وشرعية رضى الشعب عن أداء الحكومة فانتصرت الشرعية الشعبية، غير المسيسة حزبياً بمساندة قوات الجيش المصري الباسلة في معركة واحدة ضمن حرب «التحرير»، من قوى الإسلام الحركي المتطرف العنيف، وتعرية فكره ومنهجه السياسي، وفضح من يقف وراء أجندتهم، وسيعود الشعب المصري للشارع ليقول للعالم من يملك الشرعية الشعبية، فما هي حقيقة منهج الله عند «الإخوان المسلمون»؟ يقول المؤسس وأحد أهم مفكريهم حسن البنا في رسائله في الصفحة 180 مخاطباً الإخوان: «على أن التجارب في الماضي والحاضر، قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم، ولا إنتاج إلا في خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون». فهم حسب ما يعتقد البنا و«الإخوان المسلمون» اليوم يحتكرون الصواب وكل مَن خالفهم يكون مخطئاً، وأكد المرشدون للجماعة من بعده نفس المفهوم، فحَسَن الهُضَيْبِيّ يذكر في كتاب (قافلة الإخوان) في الصفحة 298 «دعوة الإخوان هي لا غيرُها الملاذُ والإنقاذ والخلاص، وعلى «الإخوان» ألا يُشركوا بها شيئًا»، وهم يعتقدون أن اجتهاد البنا اجتهاد ولي من أولياء الله، كما يعتقد «الإخوان» بأن المرشد لا يخطئ وأن الجماعة كاملة تمثِّل الإسلام تمثيلاً كاملاً، وهم يعتقدون أن البعد عن فكر (البنا) تفريط في نصرة الإسلام، فيتحدث أبرز مفكريهم والأكثر تأثيراً سيد قطب (1906-1966) في كتابه «معالم على الطريق» عن أن النظام العالمي مهيمن عليه من الغرب، هو في قبضتهم، وهم سبب التراجع الروحي والانحطاط في العالم، وواجب المسلم تحدي هذا الانحطاط العالمي واستعادة السيادة الكاملة في كل مجال من مجالات الحياة وأشار إلى حتمية استخدام «القوة»، والمواجهة المباشرة والعنيفة، حتى مع قوات الدولة التي يعيش فيها المسلم للطعن في نظام الهيمنة الغربية باسم «الإسلام الحقيقي». وقدم سيد قطب القالب الأيديولوجي للإسلام المتطرف المعاصر، الذي تناوله وعمل به في ما بعد تنظيم «القاعدة»، وغيره من التنظيمات المتطرفة العنيفة باسم الدين الإسلامي، وكذلك التنظيم السري في جماعة الإخوان المسلمين، وإيمان عام من الجماعة بالمبادئ العامة لذلك الفكر، ولكن على أن تتم المواجهة بعد التمكن والحشد الكافي في العدة والعتاد، ووصول المجتمع المسلم للنضوج في جميع المناحي من خلال تبني فكر الجماعة وإصلاح المجتمع وإخراجه من الجاهلية التي يعيش فيها. وفي رأيهم، من لا يؤمن بفكر الجماعة، هناك خلل في فهمه للدين. فقطب أخلى المسلم من مسؤولية تبني المفاهيم السليمة العصرية وفهم العلوم العصرية لتحرر الأمة من التبعية والهوان، وجعل الفرد المسلم مجرد ثائر لا يعمر الأرض، وجل فكره القضاء على الغرب، فأي سلبية بعد ذلك في الفكر وأي اتكالية وهروب من المسؤولية، وتهميش للعقل والمنطق، لتمكين الأمة وجعلها تباهي الأمم وتتقدم عليها، وشعار «الإسلام هو الحل»، قام على هذه الفكرة والقول بأن الإسلام أسلوب حياة شامل هو قول صائب، ولكنه تكليف روحي وإيماني لكل إنسان، ومتروك لكل فرد حرية كيفية العمل به وليس مخرج من الملة عدم اتباع فكر وتفسير شخص بعينه من المسلمين له. ولتأسيس «دولة ملحمة العقل الباطن» يرى سيد قطب أن الخرافة جزء من المنطق الديني ويؤمن بخصخصة الدين من خلال جماعته لتخليص الأمة من أعداء الإسلام وإعادة تأسيس الخلافة العالمية، فتستخدم الجماعة مسوغات نفسية وعاطفية تبدو إيمانية لتفرضها على المسلمين للتعاطف مع مظالمهم ضد الغرب، والتسويق سرياً للنضال ضد السلطة السياسية والثقافية الغربية وحلفائها في العالم الإسلامي والعالم كافة، بهدف تجديد الإسلام ونقطة البداية كانت مع سيد قطب ومفهوم المجتمع العالمي للمسلمين، وأن الشريعة موجودة في وئام مع النظام الطبيعي للكون، وهي تعكس المجتمع الذي كان يمثله النبي محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم في المدينة المنورة، فهو جيل فريد يستحق المحاكاة، وهو أفضل السبل لعيش حياة يطبق فيها كل ما جاء في القرآن الكريم، ولكن يصطدم كل المنظرين باستحالة محاكاة حياة الصحابة لاختلاف الزمان والمكان وظروف المسلمين ونوعية البشر والتغييرات الجذرية التي حدثت للإنسان وحتى فهمنا للقرآن، ليصل الأمر إلى مرحلة الانسداد الكبير وبالتالي الانفجار وحالة يأس كامل يعبر عنها بالعنف والتمرد على الواقع. وإذا سلمنا أن الإسلام دين عالمي ودين لكل زمان ومكان، فلماذا يريد منظرو الجماعات الإسلامية المتطرفة أن يختصروه في حياة الرسول الكريم في المدينة المنورة، وكأن الكون توقف وتجمد بعد تلك الفترة الزمنية، منطق أغرب من الغرابة ورب العزة يقول « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» ... هذا هو مقياس التفاضل بين البشر إن كان من الصحابة أو التابعين أو من يعيش في عصرنا هذا أو من سيأتي بعدنا بمليون سنة، فهذه الأمور من نواميس الربوبية وخوض البشر فيها نوع من الغرور والجهالة. ومن جانب آخر يتمحور فكر «الإخوان المسلمين» حول فكر سيد قطب على أهمية مراعاة المشيئة الإلهية والإذعان بسيادة الله السياسية الدنيوية (الحاكمية)، فقطب يفترض الحاكمية وبأنها اختصاص حصري لله عزوجل، والذي هو وحده مؤهل لحكم البشر من خلال ممثله على الأرض ( خليفة المسلمين)، وليس من الطبيعي للدين أن ينفصل عن شؤون العالم ومساواة هذا الشرط مع الجاهلية، وهي تتلخص في أن حكم المسلمين من رؤساء مدنيين مختلفين هو ضد تنفيذ التوجيه الإلهي على مر التاريخ حسب ما يراه قطب، وعليه المجتمع الذي يعيش تحت حكم غير الخلافة الإسلامية هو مجتمع يعود لعصر الجاهلية، وبالتالي هو كافر، ويتعين على المسلمين لمواجهة الجاهلية في المجتمع تحقيق المبدأ الإسلامي من الجهاد، أي المسلم يحق له أقصاء وتكفير المسلم الذي لا يشاطره المعتقد ويناصر غير المسلمين أو لا ترضخ دولته لحكم الشريعة الإسلامية، وأخذت بهذا القول كل الحركات التي كانت تدعي الجهاد لاحقاً باسم الإسلام، فـ«الإخوان المسلمون» جماعة أقرب لعصابة جريمة عقدية منظمة من كونها جماعة سرية سياسية تجارية إصلاحية إسلامية، وعلى هذا النحو من الترتيب في الأولويات حسب المعطيات على الأرض عملياً.