جاءت الأحداث الدراماتيكية الأخيرة في مصر، لتطرح أسئلة ومشكلات كثيرة منها أو بعضها جديد، على الأقل في واحدة من زواياه، فبعد تدخل الجيش المصري خصوصاً، برز من تلك الأسئلة والمشكلات سؤال عن الشرعية الانتخابية، كما برزت مشكلة تتصل بمثل ذلك التدخل العسكري. لكن السؤال الأعظم، الذي طبع الأوضاع المصرية بطابعه الخاص والقوي: هل يدع المصريون الأمور تسير على النحو الذي بدأ يظهر جلياً في الحياة المصرية، التي يريد لها الرئيس مرسي ومجموعات قيادية كبرى من الإخوان المسلمين، أن تصبح حاسمة وتأسيساً لما سيأتي من سنوات أربع، هي مدة الرئاسة؟ أما المعني بذلك فيتحدد في حركة «الأخونة» التي أخذ يمشي عليها الرئيس مرسي منذ البدء، وأخذت تتحول إلى الاستراتيجية الجديدة في النظام الجيد؟ وللدقة ومصداقية الطرح، نتساءل هل ننتقد ذلك بقدر ما قد يصبح فيه نظاماً إخوانياً ومجتمعاً مصرياً مُؤخوناً؟ وكي لا نعطي هذه الصيغة من السؤال طابعاً حاداً وحازماً، نلجأ إلى السؤال الآخر التالي: هل نكتفي بمعالجة المسألة بالنقد الإعلامي لأصحاب ذلك الموقف وبالمثابرة في ذلك، دون اللجوء إلى حالة أخرى للنقد، قد تكون جديدة في تاريخ الفكر السياسي المصري والعربي؟ نعم، إنها حالة جديدة في وضوحها وحزمها وكذلك في توجهها الحاسم للناس كي يأخذوا موقفاً حاسماً وسريعاً، وقد نصطلح على هذه الحالة بـ «العصيان المدني». أما ما يؤخذ على هذا الطرح من قبل «الإخوان» في مصر، فيتمثل في أنه أتى متوافقاً مع قرار الجيش المصري الإعلان عن انحيازه لمن انتقدوا ما يفعله الإخوان منذ البدء. وهذا، بدوره، أفصح بوضوح عن فكرة كان كشفها هائلاً، حين وضعت بالمقارنة مع حقلين اثنين ظهرت فيهما وكلفتهما الكثير من الأسى والمرارة والآلام؛ نعني الاتحاد السوفييتي والعالم العربي في معظم أقطاره، وخصوصاً سوريا. ففي الحقل الأول السوفييتي ظهرت المادة رقم (6)، كما ظهرت المادة رقم (8) في الحقل العربي السوري، على امتداد أربعين عاماً ونيفا. ها هنا، يتعين على الباحث في العلوم الاجتماعية، أن يضع يده - بصدق موضوعي ودون تشفٍ أو سخرية عابثة، على ما كلفت هاتان المادتان الدستوريتان شعبي أو شعوب البلدين، لقد قصد من المادة الأولى اختزال شعوب الاتحاد السوفييتي السابق إلى ما اعتبروا (نخبة هذا الأخير المتميزة وعقله ومستقبله. وكذا الأمر بالنسبة إلى المادة الأخرى، التي كلفت الشعب السوري حقاً أن يختزل إلى نخبة هذا الشعب: لقد أصموا آذانهم عن رؤية البلد والشعب، وفقدوا الإحساس به وفي الأمة، التي أتت الحرب لتمحق مئات الألوف منه، ولتيتم من الأطفال ما يهز الكون ويزلزله، هكذا كان القرار! أما ما بدأ الإخوان المسلمون في التأسيس الجذري له فقد تمثل في تلفيق «مصر إخوانية وشعب مصري إخواني». وهذا ما لا يمكن إطباق الفم عليه، ولو كلف الحياة. ولقد اضطرب الإخوان مجدداً، حين خرجوا على ما قدمه المؤسس الإخواني التاريخي وقدمته التجارب السياسية والحضارية التاريخية الكثيرة)، خصوصاً السوفييتية والعربية؟ وأدخلوا أنفسهم في نفق مغلق أفسد عليهم النظر فيما آل إليه الأمر من استحواذ على السلطة والثروة والإعلام، وأخيراً وخصوصاً في المرجعية المجتمعية السياسية، التي تقول: إن جماعة الأخوان هي التي تقود الدولة والمجتمع. ولعلنا نرى أن هؤلاء ينشدون إلى مثل هذه «المرجعية». لم يملك «الإخوان» في مصر - وهم جزء لا يتجزأ من الشعب المصري من الوعي التاريخي والرؤية العقلية الحصيفة، ما كان قميناً بتجنبهم ذلك الطريق الوعر والمغلق. ولم يدركوا للأسف أن الرجوع عن الخطأ فضيلة عظيمة وسيكون ذلك كله درساً عميقاًَ للثورة السورية!