شهدت الساحة السياسية المصرية تسارعاً دراماتيكياً للأحداث ليأتي بعدها دور الجيش بإصغائه لنبض الشارع المصري ويتم بموجبه نقل السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا. ونترك الساحة السياسية في مصر وتفاعلاتها لمتخصصيها، لننتقل مع القارئ ليس بعيداً عن هذا المشهد لنستعرض معه موقف النظام الإيراني من هذه القضية ومقارنتها بمثيلاتها في المنطقة، من خلال شرعية الإخوان بين المصلحة والتضاد في النظام الإيراني. بالرجوع إلى ثورة 25 يناير التي أطاحت بـ«مبارك»، بدأت التصريحات الإيرانية تتوالى معتبرةً أن ما يحدث في مصر ما هو إلا صحوة إسلامية تعود شرارة انطلاقها إلى ثورة عام 1979 في إيران. وللاستشهاد بذلك التأثير تم الرجوع لأحد تصريحات الخميني السابقة، التي قال فيها إنه في حال اتحد الجيش المصري مع الشعب فإنه قادر على الإطاحة بالحكم. وما أن وصل «الإخوان المسلمون» إلى سدة الحكم في مصر، حتى وجد النظام الإيراني أن الفرصة الذهبية قد جاءت لتطبيع العلاقات مع واحدة من أهم الدول الإقليمية في المنطقة. فبدأت مؤتمرات الصحوة الإسلامية تعقد في إيران، وتزامنت معها دعوات إيرانية لاستقطاب المثقفين والأكاديميين المصريين لزيارة إيران. وعلى رغم خطاب محمد مرسي في مؤتمر حركة عدم الانحياز، الذي لم يتوافق مع التوجهات الإيرانية خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، إلا أن المصلحة اقتضت عدم التصعيد من قبل النظام الإيراني. بل بدأت الزيارات الإيرانية إلى مصر مستهلة بسفر وزير الخارجية الإيراني وعقد اللقاءات، ثم جاءت زيارة نجاد للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي. وتوجت تلك المحاولات بفتح خط الطيران بين البلدين، وفتح السياحة أمام الإيرانيين. وإذا كان النظام الإيراني يستعين في كل خطوة يخطوها باتجاه مصر ودول «الربيع العربي» بمفهوم الصحوة الإسلامية، فإن هذا المفهوم يأتي وفق المنظور الخاص به. فليس كل جماعة إسلامية يمكن أن تدخل من منظور النظام الإيراني ضمن إطار الصحوة الإسلامية. وخير مثال على ذلك موقف النظام الإيراني من الجماعة السلفية في مصر التي تتباين جذرياً معه. فبعد الاستفتاء على الدستور المصري أواخر ديسمبر 2012 جاءت الدعوات لمرسي، وبالطبع جماعة «الإخوان» معه، بضرورة أن يقوم بعد انتصاره على القوى الليبرالية والعلمانية بالنأي بنفسه عن الجماعة السلفية واصفة هذه الجماعة بأنها أخطر من زمرة المنافقين(منظمة مجاهدي خلق) على ثورة عام 1979 في إيران. وحين نقارن مواقف وتوجهات النظام الإيراني لمسائل المنطقة فإن التباين والتضاد هو ما يستخلصه المتابع للوهلة الأولى خصوصاً إذا ما أُغفل عنصر مهم يستعين به النظام وهو «التأويل». فالمصلحة تأتي لتجعل النظام الإيراني يتغافل في بعض الأحيان عن جوانب يجدها أساسية له في مواضع أخرى، ويأتي التأويل بدوره ليبرر ذلك. فبالإضافة إلى المهادنة مع حكومة «الإخوان»، لُوحظ اهتمام إيراني باستمالته في المسألة السورية. وهذا الأمر لم يسِر كما هو عليه في الحالة مع حركة «حماس». فما أن أبدت «حماس» تباينها مع نظام الأسد حتى بدأ الدعم الإيراني لهذه الحركة يتقلص حسب ما أشار إليه مسؤولو الحركة. وبالنظر لاهتمام النظام بالشيعة في كل الأقطار، فإننا نلاحظ أن المصلحة قد جاءت مرة أخرى لتلعب دورها. ففي حين قامت الدنيا ولم تقعد لدى النظام الإيراني بعد ما تعرض له بعض الشيعة من قتل في باكستان في حوادث مختلفة ومتتالية، صدرت على إثرها بيانات منتقدة وبشدة للحكومة الباكستانية ومحملة إياها المسؤولية، ومن ثم تمت زيارات لمسؤولين إيرانيين لباكستان، وقيام الحوزة العلمية في قم بتعطيل الدراسة وتنظيم مظاهرات. هذا الأمر لم يأتِ بتلك الحدة مع حادثة مقتل أربعة من الشيعة المصريين. فعلى رغم بيان وزارة الخارجية إلا أن مفرداته تؤكد عدم رغبة النظام الإيراني في تصعيد حدة المواجهة مع حكومة «الإخوان» في مصر، وخصوصاً مع اقتراب الـ30 من يونيو موعد حركة «تمرد». حيث جاء النص كالتالي «إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذ تستنكر أي تصرف متطرف و...، واثقة من أن الشعب المصري الواعي والثوري وفي ظل تدابير قادته الحكماء سيتصرف بفطنة تجاه المؤامرة....الخ». فهل لاحظنا لفظ «إذ» الذي سبق كلمة تستنكر؟ وهل كنا سنرى عبارة «تدابير قادته الحكماء» لو كان نظام الرئيس الأسبق مبارك قائماً وقت وقوع ذلك الحادث؟ وحين جاء موعد حركة «تمرد»، وظهرت الجموع الغفيرة في الساحات وأمام أعين العالم، جاءت التصريحات تحث مرسي على الاستماع للشعب. أما النظام الإيراني فقد دعا الجيش المصري إلى احترام «تصويت الناخبين» حيث اعتبر نائب وزير الخارجية الإيراني أن «محمد مرسي انتخب بأصوات الناخبين، ويجب الأخذ بالاعتبار تصويت الناخبين». وإذا كان هذا التصويت قد مرت عليه سنة، فإن ما بين طُرفة عين وانتباهتها يُغير الله من حال إلى حال، وأن الجموع الغفيرة التي ظهرت في الميادين المصرية تؤكد أن ذلك الحال لم يبقَ مثل السابق. فمن خرج على مرسي أكثر بكثير ممن خرج على مبارك. ولكن العلاقة الذهبية مع «الإخوان» تُغشي في بعض الحالات العين عن الواقع. وبعد أن اتضح أن «الإخوان» إلى زوال يأتي البيان من إيران ليؤكد أنها تحترم إرادة الشعب المصري، وينطلق مسؤولو النظام الإيراني بهجوم صارخ ضد مرسي بمجرد سقوطه. ألم تكن هي نفسها الإرادة قبل قرار الجيش المصري؟! إن من خرج هم الأكثرية، فلماذا لم يرها النظام الإيراني كما يراها في مملكة البحرين حين عبر عنها المرشد علي خامنئي بالأكثرية الشيعية المظلومة؟ ولماذا لا يرى النظام الإيراني الحالة البحرينية -التي يؤججها بتدخلاته المستمرة- بنفس الحالة السورية حين يدعو إلى حل المسألة السورية بين السوريين وحكومتهم دون تدخل خارجي؟ ختاماً أدعو القارئ إلى تتبع كيف ستكون ردة فعل النظام الإيراني على تصريح حليفه الاستراتيجي بشار الأسد حين قال معلقاً على ما جرى في مصر «إن ما يحصل في مصر هو سقوط لما يسمى بالإسلام السياسي». هل يا ترى سنعنون ردة الفعل هذه بـ«المحافظة على نظام بشار الأسد بين المصلحة والتضاد في النظام الإيراني»؟. د. سلطان محمد النعيمي أكاديمي إماراتي @Alnuaimi_Dr