من الدروس التي يتعلمها أي مدرس جديد يهدد تلاميذه، أنهم لو كرروا سلوكهم السيء مرة ثانية، فإنه سيعاقبهم ثم لا يفعل ذلك عندما يكرر التلاميذ ذلك السلوك، فإن النتيجة المباشرة لذلك هي فقدان المدرس المصداقية والاحترام. وهناك وجه شبه بين هذا وبين ما فعله أوباما في تعامله مع نظام الأسد. فبداية طالبه بالرحيل وإلا واجه العواقب؛ فلم يرحل ولم يفعل أوباما شيئاً. ثم هدده بأن استخدامه للمواد والأسلحة الكيماوية ضد شعبه سوف يكون بمثابة «خط أحمر» يستوجب العقاب، ومع ذلك كان رد فعله بطيئاً، حتى عندما تأكد أنه استعمل بعض الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة السورية المسلحة. وفي أغسطس الماضي قال أوباما: «لا يمكن أن نسمح بوضع تسقط فيه الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الأيدي الخطأ». وفي مارس، عندما كان يزور إسرائيل، سُئل عن الأنباء المتداولة حول لجوء الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، فكان رده: «بمجرد أن نتمكن من إثبات الحقائق، فسنتصرف بناءً على ذلك، مع أنني قد أوضحت من قبل أن استخدام الأسلحة الكيماوية سوف يؤدي لتغيير قواعد اللعبة». هذان الردان من جانب أوباما يبدوان لي ملائمين ورئاسيين لحد كبير، لكن للأسف الشديد أعقب التصريح بهما تلكؤ كبير من جانب الرئيس. ويعتقد أن الهجمات بغاز السارين التي تمت بواسطة سلاح الجو السوري، قد أدت إلى مقتل العشرات، كما أشارت صحيفة «التايمز» في 15 يونيو إلى أن «جسامة التهديدات من نظام الأسد لا تقاس فقط بمقدار الخسائر المباشرة، وأن الحرب الكيماوية عمل بربري، وأن عدد الأفراد الذين تقتلهم يعتمد على عوامل غير قابلة للتنبؤ بها مثل اتجاه الرياح وسرعتها وليس فقط درجة سُمية المادة الكيماوية. ومن هنا فالهجمات التي شنها الأسد على مواطنيه تمثل جرائم حرب خطيرة». وقد تأخر البيت الأبيض كثيراً عن المملكة المتحدة وفرنسا -وربما إسرائيل أيضاً- في القبول بحقيقة أن هناك أسلحة كيماوية قد استخدمت من قبل نظام الأسد، رغم الأدلة على أن الأسد قد استخدمها بالفعل. كان آخر تلك الأدلة عينات التربة التي تم جمعها من أحد المواقع في سوريا وإرسالها إلى أحد مختبرات وزارة الدفاع البريطانية بمقاطعة ويلتشاير، حيث كانت نتيجة التحليل إيجابية. ومن آن لآخر يستطيع المراقبون رؤية بعض آثار الصراع السياسي الدائر في واشنطن بشأن سياسة أوباما حيال سوريا. فالرأي العام الأميركي لا يبدي سوى دعم محدود لأي مغامرات عسكرية في الشرق الأوسط، والأميركيون يريدون التقليل من الاهتمام بـ«الحرب على الإرهاب» ويركزون على حل المشكلات الاقتصادية العديدة التي يواجهها اقتصادهم، وكذلك حل المشكلات الداخلية التي يعانونها. فمع أن بلدهم لعب دوراً محدوداً في ليبيا فإنهم لا يحبون مشاهدة ما يحدث في ليبيا الآن ويؤرقهم أن يكونوا قد ساهموا في إيجاده. وفي الربيع الماضي قال كيري: «أنا مصمم على أن المعارضة السورية لن تترك معلقةً في الهواء»، لكن ما حدث أنها تركت في الهواء، عندما تركت تحت رحمة قوات الأسد المدعومة بـ«حزب الله»، مما عرّضها لهزيمة كبيرة في الخامس من يونيو الماضي. نحن على مسافة بعيدة الآن من معرفة خطط أوباما لزيادة الدعم والمساندة الممنوحين للمعارضة المسلحة التي تواجه مشكلات متفاقمة، كما تتعرض لخطر فقدان المزيد من المدن والبلدات التي كانت تسيطر عليها في مواجهة قوات النظام. والحقيقة أني أرى من الأسباب والمبررات ما يدعو لفرض منطقة حظر طيران فوق الحدود السورية الأردنية، بغرض تدريب قوات المعارضة، وإعادة تزويدها بالمعدات والمهمات. علماً بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد تسلم للمعارضة صواريخ مضادة للدبابات وأخرى للطائرات تطلق من على الكتف، وهي مناسِبة للغاية لقتال الشوارع، كما قد تشارك مع أجهزة استخبارات دول مختلفة في تقديم التدريب لمقاتلي المعارضة. وبالطبع هناك قلق كبير من احتمال وقوع بعض تلك الأسلحة في أيدي مجموعات إرهابية متطرفة، مثل «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، والتي اكتسبت شهرة من قدرتها على القتال بشراسة في المدن والبلدات التي تتنازع المقاومة والنظام السيطرة عليها. وفي كافة الأحوال، ينبغي توخي الحذر الشديد، لكن في نهاية المطاف لابد من الاعتراف بأنه حتى لو ضمنّا أن الأسلحة سوف تذهب إلى المنظمات غير الإرهابية، فإننا لا نضمن بقاءها في أيديهم. والخلاصة أن المخاطر تدعو للخوف وأنها تحيط بنا من كل جانب، لكن علينا أن نطرح دائماً السؤال: كيف سينظر إلينا العالم إذا تمكن تحالف الأسد وبوتين وإيران و«حزب الله» من كسب الحرب العام المقبل؟