أمسك لبنان أنفاسه عندما اندلعت الصدامات يوم 17 يونيو الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحين موالين لرجل الدين السُني المتشدد والمسلّح أحمد الأسير، بعد أن فتح رجال الأخير النار على آلية للجيش اللبناني. تصاعدت الصدامات لتصبح معركة واسعة في مدينة صيدا، ثالث أكبر المدن اللبنانية يوم 23 يونيو. قتل 16 جندياً وأصيب ما يزيد على الخمسين، كما قتل 13 من أتباع الأسير. تساءلنا نحن اللبنانيين مرة أخرى إلى متى سيستمر العنف، ومدى قوة المظهر المخادع من الوضع الطبيعي الذي يحافظ على البلد متماسكاً. تحصّن الأسير في مسجد في عبرا، وهي إحدى ضواحي مدينة صيدا، وبينما اختبأ سكان صيدا وطرابلس في بيوتهم خوفاً من المسلّحين والقذائف الصاروخية، طلب الأسير عبر «تويتر» تعزيزات، شاجباً بقوة ما أسماه «حرباً على السّنة». ولكن صوت «الأسير» لم يكن الصوت الوحيد على منابر الإعلام الإلكتروني أثناء الصدامات. اجتاحت مجال الإعلام الاجتماعي تعليقات عبر لبنان حول الحادث. ومما يثير الانتباه أن الردّ على طرح الأسير الطائفي كان التضامن مع الجيش ودعمه. ويشكل هذا الجيش واحداً من المؤسسات الوطنية الوحيدة التي تستطيع بحق توحيد لبنان. وقد صدمت من عدد اللبنانيين الذين وقفوا وراء جيشنا الوطني، موفرين بصيصاً من الأمل بأن باستطاعتنا ربما التخلص من نير طرح الطائفية الذي تبنيناه بشدة. اعتمد طرح «الأسير» الطائفي بشكل معمق حول الأحداث على طرح قديم أثبت فاعليته لسنوات عديدة. لم تكن الأحداث في تغريدات الأسير عن جماعة غير شرعية مسلّحة تحارب الجيش الوطني، وإنما عن الدفاع عن النساء والأطفال والعقيدة والمسجد ضد قوة فاسدة يدعمها حسب ادعاءاته «حزب الله»، الذي تدعمه إيران. استُخدِم هذا الطرح العدائي والجاد عاطفياً كسلاح فتاك في تاريخ لبنان، طالب «الأسير»، وهو أمر يذكّرنا بالطروحات الطائفية السابقة، أن ينسحب الجنود السنّة من الجيش اللبناني، ولكنهم لم يفعلوا ذلك. بدلاً من ذلك وجد اللبنانيون راحة في رسائل بعضهم البعض على شبكات الإعلام الاجتماعي. ومع تزايد حالات العنف، عملت الكوميديا السوداء على الحد من التوتّر. امتلأت رسائل «تويتر» و«فيسبوك» والمدونات هذه المرة بالتحية والإجلال للجنود الذين سقطوا، وبرسائل الشكر من أناس ما زالوا يريدون الإيمان ببلدنا. كرّر «نادر داغر» على سبيل المثال قصيدة للجيش اللبناني عنوانها «أبطال من لبنان»، جرت إعادة نشرها بشكل متواصل على «فيسبوك»، انضمت حتى الشركات الخاصة إلى الحركة بإعلانات تُظهِر تضامنها مع الجيش. كانت هناك في أعقاب «الربيع العربي» موجة من التمكين السياسي للأحزاب السياسية السُنية والنزاع الطائفي. يسهل في هذا المضمون وضع الصدامات في صيدا في هذه المنظومة. إلا أن هناك أكثر من هذا يحدث في لبنان، يجد العديد من الناس في لبنان ملاذاً، وحماية وهوية في طائفتهم نتيجة لضعف الهوية الوطنية. ويرغب العديد من اللبنانيين الذهاب إلى ما وراء العقلية الطائفية، إلا أن هناك قلة من المؤسسات التي توحّدهم. يشكّل الدعم الذي أظهره اللبنانيون للجيش إيماناً بمؤسسة تستطيع توحيد الشعب اللبناني وتعزيز الإيمان بلبنان موحّد. يعمل جنود الجيش اللبناني، مسيحيون وسُنة وشيعة ودروز، يداً بيد معاً لحماية بلدهم، وهم يجسّدون وحدة لبنان شديد التنوع، ويشكّلون في تنوعهم لبنان الذي يريد عدد كبير من اللبنانيين أن يؤمنوا به. ندى عقل باحثة إعلامية- بيروت ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية