رغم أن معظم الجماهير المصرية قد أخذتها نشوة الفرحة بالانتصار التاريخي الذي حققه الشعب المصري بطرد حكومة التنظيم الإخواني المتأسلم، فإن ما نراه الآن من نشوة يحق للشعب المصري الإحساس بها بعدما حقق سبقاً تاريخياً جسّد الربيع الحقيقي للشعوب عندما تعي مصالحها الحيوية والمصيرية، وتقوم بتصحيح كل خطأ يؤدي لتفكيك النسيج الاجتماعي، سيستيقظ منها الشعب بعد قليل على واقع مختلف، فالخدعة التي انطلت على بعض أفراد الشعب سرعان ما انقشعت أمام عينيه بمجرد أن أمسك الإخوان المتأسلمون زمام السلطة، وفضحوا أنفسهم سريعاً، فاستعجلوا التمكين وأخونة الدولة والتعدّي على الدستور وليّ عنقه وتطويعه لمصلحة الأخونة الشاملة لمؤسسات الدولة، وإفقاد الشعب المصري سنين عدداً لن يتمكن من تعويضها في القريب المنظور، لأن الخراب سهل جداً ولا يستغرق وقتاً، مقارنةً بالإعمار الذي يحتاج الكثير من الوقت والجهد والمال. فما تسبب فيه حكم الإخوان المتأسلمون بمصر خلال فترة حكمهم القصيرة جداً، يحتاج من الشعب المصري الكثير من الجهد والعديد من السنوات لإصلاح الأعطاب المجتمعية المختلفة التي تسبب فيها، لأن الخلل الكبير في ميزان الاقتصاد المصري أوقعه في هاوية سحيقة كانت نتيجتها هذا الغلاء الفادح الذي شمل مختلف حاجات المواطن، وهوى بالجنيه المصري إلى أسوأ خانة عددية شهدها منذ أكثر من نصف قرن مقابل العملات الأخرى، خاصة عملات البلدان التي تتعامل معها الدولة المصرية، وتستعين بوارداتها في سدّ حاجات المجتمع الحياتية كالمواد الغذائية اليومية الضرورية للمواطن مثل القمح وغيره من مواد الاستهلاك اليومي. فقد خرج سعر الجنيه المصري مقابل العملات الأخرى عن سيطرة الحكومة إلى سلطات منتسبي «الإخوان» الذين قضت مقتضيات الأخونة بتحويلهم من الهامش إلى أرقام اقتصادية كبيرة على حساب إفقار فئات مجتمعية أخرى، وهو خلل انعكست نتائجه على اختلال توازن موجودات وأسعار السوق، ما جعل الساحة العامة تخضع في أزماتها وأسعارها لتجار «الإخوان» الجدد الذين انشغلوا بجمع المال ومصّ دماء الشعب، والهرولة الطمعية التي أرادوا بها الإسراع نحو تلك الأخونة التي لم يكتب الله لها الاكتمال بفضل وعي الشعب المصري وموقفه البطولي الذي ساهم في إنهاء ظلمة حكمهم التي كادت تسودّ به صفحات مسيرة التاريخ المصري العام. وبجانب عسر الحياة المعيشية وانهيار العملة المصرية، وحاجتهما لوقت طويل للتعافي، ووقت إضافي للنقاهة التامة حتى يعودان لسيرتهما الأولى، فإن المواطن المصري الذي وجد نفسه مثيراً للتحفّز والخوف في مناطق كثيرة من العالم، بسبب التصاق حكومته السابقة بالإرهاب، ما جعله يعاني الكثير من المتاعب وإضاعة الوقت في مختلف مطارات ومنافذ العالم، ومحاصرته بالتفتيش الدقيق خوفاً من أن تكون حقائبه أو خفايا ملبسه حاملة لفناء قادم، وسيكتشف أن نهاية حكم «الإخوان» لا تعني بالضرورة نهاية تلك الإجراءات الاحترازية الصعبة، لكنها مرشحة للازدياد بما يمكن أن يكون متوقعاً، وهو محاولة الجماعة التي ستتحول دون شك لطبعها الأساسي المتمثل في العمل السري الذي اعتادته منذ نشأتها الغريبة من لدن حسن البنا، وتهريب منتسبيها من أعضاء خلاياها النائمة لتوجيه ضربات انتقامية في مختلف الدول انتقاماً لفقدها الجلل الذي أفنت سنوات عمرها في الوصول إليه، وهو كرسي الحكم. وسيجد الأشقاء المصريون دون شك تبعات الحكم الإخواني البغيض تلاحقهم حتى بعد كل ما بذلوه من جهود بطولية في رفضه وإقصائه. وتحتاج معالجة الأعطاب الكبيرة التي أحدثها الإخوان المتأسلمون في سياسات مصر الخارجية وقتاً وجهداً كبيرين لإعادتها نفسياً وفعلياً، لما كانت عليه في السابق حينما تقف في وجه العواصف الاستهدافية المختلفة المرتبطة بالأطماع والسياسات الدولية، كما يحتاج الغبن الشعوبي الذي تسببت فيه حكومة «الإخوان» باستهدافها الشعوب الأخرى، وتدخلها بكل عنجهية في سياساتها الداخلية، رغم أن شعوب المنطقة بكاملها كانت تقف مع الأشقاء المصريين عبر وسائط الإعلام من تلفزة ووسائل سمعية وبصرية وإنترنت، في ميدان التحرير لحظة الإطاحة بحكومة الإخوان المتأسلمين، وكانت أيضاً تنفعل بذات انفعالات الميدان، وتحمل ذات الأمنيات التي حملها الشعب المصري في الساعات الأخيرة التي سبقت الإطاحة بالرئيس المخلوع محمد مرسي الذي اعتبره المراقبون أسوأ رئيس مرّ على مصر والوطن العربي منذ فجر التاريخ. وفي الداخل يحتاج تصافي النفوس الذي تسبب التنظيم الإخواني المتأسلم في تعكيره، وإحداث التوافق العام بين مختلف القوى الوطنية، وأيضاً إعادة ثقة الشعب بحكومته، وإخراجه من حالة فوبيا الحلم، سنوات ليست بالهينة، كان بإمكانه استثمارها في رحلة التنمية والرفاهية والنهضة لولا المساحة الزمنية التي أساء فيها «الإخوان» إلى مصر التي نعرفها، مصر القادمة بملامح مصرية أصيلة خالصة. وتبقى ملفات البطالة وضياع الشباب والمخدرات والغبن الاجتماعي، إضافة للكثير من الأحلام الكبيرة التي حملها الشعب عندما صدّق أول خطابات الرئيس الإخواني المخلوع وحاضنوه من بلاطجة السياسة والمال أمثال العريان وبديع وغيرهما من الأسماء التي حاولت الهروب بمصر من مكانها الريادي الذي عرفته المنطقة والعالم، إلى منطقة مجهولة توهموا فيها دولة الخلافة الإخوانية التي رأينا وجهاً منها خلال الفترة السابقة، والذي ترك آثاره وشروخه الكبيرة على الشعب المصري والدولة المصرية، اللذين يحتاجان الآن بعد الاستيقاظ من نشوة النصر، مراجعة العديد من الملفات والتعامل معها بجدية وحزم وعزيمة وإصرار خلال الفترة المقبلة، فذهاب «الإخوان» لا يعني خاتمة مطاف متاعب الشعب المصري، ويكفي أن نعدد من خسائره ما يدور حول موقف الولايات المتحدة من دعم الجيش المصري، فقد ألمحت السلطات الأميركية لصعوبة مواصلتها دعمه لانقلابه على سلطة دستورية، رغم أن النظام الأميركي كان يؤيد ويبارك خلع الضرس الإخواني المتسوس من فم مصر، وذلك بسبب قانون أميركي قديم تم تشريعه بهذا الشأن، وهو فقد يحتاج الكثير لتعويضه أو على الأقل الإسراع في إجراء الانتخابات المبكرة لتفادي العقوبات. ودون شك، فإن آثار الحكم الإخواني الغاشم لن تنتهي بين يوم وليلة رغم قصر الفترة التي حكموا فيها، وهو ما يدل تماماً على قدرتهم الفائقة على الخراب والتدمير، فأبسط وصف لجماعة «الإخوان» هو أنها جماعة التخريب والتدمير.