حزب «المؤتمر» الحاكم في الهند مصعوق الآن بحمأة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي لم يكن يتوقعها، ولأول مرة في التاريخ الحديث، ينطلق شبان الطبقة المتوسطة الميّالون بطبيعتهم للتعلّم والتثقف، إلى الحديث عن كل شيء دفعة واحدة، من جرائم الاغتصاب المأساوية التي هزّت العالم مؤخراً، إلى الفساد المستشري في أركان حزب «المؤتمر» ذاته. ولا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية الحديثة دفعت هذه الفئات من المجتمع الهندي للتفكير وفق أسس جديدة غير معهودة. خاصة بعد أن مثّل العالم الرقمي قوّة جديدة بالنسبة للثائرين على أنظمتهم في الصين والشرق الأوسط. وليست هذه إلا البداية، ومع الانخفاض السريع الذي تشهده أسعار الأجهزة الرقمية، ومع السهولة المتزايدة للدخول إلى شبكة الإنترنت، فإننا نشهد الآن نوعاً جديداً من الثورة. ولقد عُرف عن قطاع المعلومات في سابق العصر والأوان طابعه المركزي البحت. ولم يكن الناس يأبهون إلا للأخبار التي تتعلق بقراهم، وكانوا في معزل عن معرفة ما يحدث في البلدات أو القرى المجاورة. وكان هذا الوضع يهيئ للحكومات الفرص السانحة لحقن مواطنيها بما تريد من دعايات وطروحات مزيّفة تنتظر منهم أن يقتنعوا بها. وأما الآن، فلقد اختلفت الأوضاع، وبات الناس أكثر قدرة على التواصل فيما بينهم في طول البلاد وعرضها. وأصبح في وسع المتظاهرين في أفقر بقاع العالم أن يتبادلوا الأفكار والرؤى المعرفية مع أقرانهم في أغنى بقاع الأرض. وبدأوا لتوّهم بالمشاركة في صنع وقولبة الاقتصاد العالمي وأخذوا يتعلمون من الآخرين، وأن يحلوا مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية بأنفسهم. وكانت الإرهاصات الأولى للثورة العالمية للاتصالات قد تجلت بظهور الهواتف الخلوية. وخلال فترة 10 سنوات قفز عدد المشتركين في خدمات الهواتف النقالة في العالم من بضعة ملايين إلى 6 مليارات (أو ما يساوي 87 بالمئة من عدد سكان العالم وفقاً لإحصائيات أنجزها الاتحاد العالمي للاتصالات). وأتاح هذا التطور للعائلات أن تبقى على تواصل مع معيليها عندما يسافرون إلى المدن للارتزاق، وللعمال أن يتواصلوا مع أرباب عملهم. وأصبح في وسع الناس أن يتناقشوا حول ما يجري في مختلف أرجاء بلدهم، وأن يعبروا عن احتجاجاتهم عبر الرسائل النصّية. وتمثل المشهد الثاني لهذه الثورة بظهور الكمبيوترات اللوحية الرخيصة. فلقد أطلقت الهند مؤخراً الكمبيوتر اللوحي (آكاش تابليت) الذي يمكنه استظهار كافة الخدمات الاتصالية المتطورة التي تشتهر بها الكمبيوترات اللوحية الأغلى ثمناً. وهي تستأثر بمعالج يتصف بقوة تشغيل تساوي تلك التي تميّز بها الجيل الأول من الكمبيوتر اللوحي الشهير (آيباد) الذي تنتجه شركة (آبل) إلا أنه مُجهّز بذاكرة دخول عشوائي (رام) أقوى بمرتين من (آيباد1) ويعمل بخاصية لمس الشاشة بتقنية الاستظهار بالبلورات السائلة LCD وعمدت الحكومة الهندية لشراء 100 ألف جهاز (آكاش تابليت) من الشركة الصانعة التي تدعى (داتاويند) بسعر 40 دولاراً للجهاز الواحد (147 درهماً)، وتم توزيعها على أطفال المدارس والمعلمين بسعر مدعوم يبلغ 20 دولاراً للجهاز الواحد (73.5 درهم). وفي الوقت ذاته، باعت شركة (داتاويند) مليون جهاز في الأسواق التجارية الهندية بسعر 60 دولاراً للجهاز الواحد (220 درهماً). وتقول شركة (سايبيرميديا ريسيرتش) المتخصصة بالبحوث والإحصائيات المتعلقة بثورة المعلومات إن الكمبيوتر اللوحي (آكاش تابليت) تفوق على (آيباد) خلال ربعين سنويين (6 أشهر) انقضيا على إنتاجه وفقاً لمقياس حجم المشاركة في السوق الهندية. ومن أجل زيادة حجم استخدام هذه التكنولوجيا وجني المزيد من فوائدها، أطلقت الهند مبادرة أخرى لتحقيق الربط الاتصالي لأكثر من 250 ألف قرية معزولة عن طريق كابلات الألياف الضوئية. وسوف توفر هذه الكابلات خدمات الإنترنت بأسعار بالغة الانخفاض وبنوعية اتصال متطورة. وحتى قبل أن يتحقق هذا الإنجاز العظيم، فلقد عُرف عن شركات تشغيل الهاتف الخلوي في الهند تبنيها لخطط طموحة مدعومة من الحكومة لتقديم خدمات اتصالية رفيعة المستوى ومنخفضة التكلفة. وتشتمل الخدمات الاتصالية للنسخ الأحدث من الكمبيوتر اللوحي (آكاش تابليت)، والتي يطلق عليها الهنود بلغتهم العامية اسم (فابليتس)، على التقنيات التي تتميز بها الهواتف الخلوية ذاتها، وبتقنية الدخول اللاسلكي إلى الإنترنت مقابل اشتراك بقيمة 100 روبية شهرياً (1.75 دولار أو 6.5 درهم). ووصل عدد أجهزة الهاتف الخلوي في الهند حالياً إلى نحو 900 مليون جهاز يبلغ متوسط سعر الجهاز الواحد منها 30 دولاراً أو أكثر. وعندما يهبط سعر الكمبيوترات اللوحية الجديدة (الفابليتس) إلى سعر مشابه، فإنها ستصبح من دون شك الأجهزة البديلة للهواتف الخلوية. وأنا أتوقع أن يرتفع عدد مستخدمي الإنترنت في الهند بنحو 100 مليون خلال السنوات الثلاث المقبلة بسبب هذا التطور الذي تشهده صناعة الكمبيوترات اللوحية. وسوف يقفز هذا الرقم إلى 500 مليون خلال السنوات الخمس المقبلة، وإلى مليار قبل نهاية العقد الحالي. وكانت الحكومة الهندية سباقة لإطلاق ثورة تهدف إلى تطوير الهند حتى تبلغ المستوى الذي سيذهل العالم. وفي هذا الإطار، عمدت إلى تخفيض سعر الأساس للكمبيوترات اللوحية إلى ما بين 35 و50 دولاراً. وما لبث البائعون الصينيون أن ظهروا كمنافسين لشركة (داتاويند) عندما أعلنوا عن أنهم بصدد طرح كمبيوتر لوحي يقل ثمنه عن 35 دولاراً. وسوف تسمح الكمبيوترات اللوحية الرخيصة للمزارعين بالاطلاع على آخر التقارير المتعلقة بحالة الطقس، ولتلاميذ المدارس في القرى المنعزلة بالاطلاع على أحدث المناهج التربوية العالمية، وللحرفيين ببيع منتجاتهم عن طريق الإنترنت. وعلى المرء ألا يندهش عندما سيرى الفلاحين في القرى الهندية المنعزلة وهم يحلّون كافة مشاكلهم بأنفسهم بفضل هذه التطورات المتسارعة التي تطرأ على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبعد طرح مثل هذه الأجهزة الرخيصة والمتطورة في الأسواق بحيث يتمكن من شرائها حتى أكثر الناس فقراً. فيفيك مادهوا مدير قسم للبحوث في جامعة ديوك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»