عودة التجاذب للحالة المصرية... وأوروبا تطلب توضيحات أميركية القضاء يعيد مساءلة تركة ساركوزي، وغضب أوروبي من تسريبات «سنودن»، وعودة أجواء التغيير الثوري في مصر، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. تركة «ساركوزي» في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون عاد الكاتب أريك كودي إلى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي مذكراً بأن القضاء بدأ الآن يتصرف مع ممارساته غير القانونية بجدية أكبر، وخاصة بعدما صدر ما يشبه الإدانة له هذا الأسبوع، بسبب تهم موجهة له بالخروج على القانون الانتخابي وإساءة استخدام المال العام والسلطة. واعتبر الكاتب أن ما صدر عن المجلس الدستوري هذا الأسبوع يشكل كارثة مالية بالنسبة لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الحاكم السابق، ويضع النقاط على الحروف تحديداً فيما يتعلق بالطريقة غير السليمة التي كان ساركوزي يتصرف بها مع شؤون الدولة طيلة سنوات رئاسته الخمس. والحال أن استخدام أموال غير خاصة في تمويل الحملة الرئاسية، لم يكن في الواقع سوى تكريس للكيفية التي كان يمارس بها الحكم. أي تسخير أموال وممتلكات خزينة الدولة لتصب في مصلحة رجل واحد، أو حزب واحد، أو فصيل سياسي واحد. وهذه الحقيقة الواقعة الصاعقة التي قامت عليها الساركوزية السياسية يبدو أن العدالة تسعى الآن للكشف عنها للعلن. وهنا ماذا يمكن أن يُذكر؟ بل ماذا يمكن ألا يذكر؟ مثلاً قضية «تابي»، التي يتهم فيها قصر الأليزيه بممارسة النفوذ على المحكمين محاباة لرجل الأعمال هذا، أم قضية «جيان»، حيث تدور الشبهات والتهم حول أقرب مساعدي ساركوزي وتصرفه غير الملائم في صندوق وزارة الداخلية. هذا زيادة على قضية «بيتانكور»، حيث تم الزج بمدعٍ عام لأداء مهمة تمويهية خاصة هي إرسال ملف القضية إلى القبر، وإغراقه في مجاهل النسيان! ولا يبقى سوى فضيحة استطلاعات الرأي، التي بددت فيها الأموال العامة وتم تغيير وجهتها لتمويل استقصاءات بحثية شخصية! ويخلص الكاتب في الأخير إلى أن مساءلة ساركوزي لا تتعلق فقط بعشرة ملايين «يورو» مما صرف في حملته الانتخابية، وإنما يتعين عليه أيضاً هو وبطانته أن يصفوا حسابات أخرى مع خزينة الدولة، التي طالما أساءوا فيها التصرف. ومن جانبها نشرت صحيفة لومانيتيه تغطية للقرار الذي أصدره المجلس الدستوري، وأثبت فيه أن الرئيس السابق قد ادعى صرف مبلغ أقل مما صرف في الواقع بما يفوق مليون «يورو»، وبذلك فقد تخطى السقف المسموح به قانونياً في الصرف على الحملات الانتخابية. وفوق هذا أن ثمة شبهة في أن يكون المصروف على بعض التنقلات واستطلاعات الرأي قد كبد الخزينة العامة تكاليف غير قانونية، حسبت على ميزانية الأليزيه. وكان الرئيس السابق قد أبلغ عن تكلفة لحملته تصل 21.339.664 «يورو» هذا في حين تحققت اللجنة المعنية من صرف 22.509.000 «يورو». ومن ثم اعتبر المجلس أن من حق اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية والتمويل السياسي أن تلغي حساب حملة ساركوزي، وهو ما سيحرم حزبه من 11 مليون «يورو» هو في أمسّ الحاجة إليها الآن. قضية «سنودن» ضمن تفاعلات قضية «سنودن» وهزاتها الارتدادية في فرنسا، نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «العم سام يتصرف بطريقة رديئة جداً، جداً»، قالت فيها إن من المناسب بين الأصدقاء أن يكون هنالك تبادل للمعلومات بما لا حاجة معه لأن يتنصت أي منهم على الآخر. وهذا ما أكدت عليه نائبة رئيس المفوضية الأوروبية للعدل «فيفيان ريدينج» يوم 30 من شهر يونيو المنصرم. والحال أن المعلومات التي نشرتها «دير شبيجل» الألمانية مؤخراً، والتي لم ينفها أي كان في واشنطن، تبدو خطيرة للغاية. فحسب «الشبيجل» نقلاً بكل تأكيد عن العميل السابق لأجهزة الاستخبارات الأميركية «أدوارد سنودن» الهارب إلى روسيا، فإن برنامج تجسس وكالة الأمن الوطني الأميركية كان يستهدف أيضاً الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن تصنيف الأوروبيين على أنهم مشمولون ضمن الأهداف المطلوب التجسس عليها من قبل الوكالة الأميركية موقف لا يناسب العلاقة بين حلفاء. ومن الملفت حسب ما نشر أن ألمانيا بالذات تعتبر محل اهتمام خاص من قبل تلك الأنشطة الأميركية غير الملائمة، حيث يتم تسجيل 500 مليون اتصال هاتفي وعبر الإنترنت كل شهر. وفي مواجهة هذه التسريبات المثيرة للقلق بدأ بعض القادة الأوروبيين، وخاصة الرئيس الفرنسي، يطالبون علناً بتفسيرات للموقف. وقد تعهدت السلطات الأميركية بأنها ستوضح ذلك باهتمام للأوروبيين، عبر القنوات الدبلوماسية. ولكن هل يكفي هذا وحده؟ تتساءل لوموند. والحقيقة أن إدارة أوباما التي يعصف بها السجال حول قضية «سنودن» منذ شهر مطالبة اليوم بتقديم تفسيرات كافية لما جرى ليس فقط لمواطنيها، وإنما أيضاً لحلفائها، وخاصة أن الأوروبيين معروفون بأن حماية حقوق الخصوصية الشخصية تنال لديهم اهتماماً أكبر مقارنة بالأميركيين. كما أن من حقهم أن يكونوا أكثر حساسية تجاه هذا التعدي من قبل وكالة استخبارية تابعة لبلد يفترض أن يكون حامياً لهم. ولاشك أن هذه التسريبات المتعلقة بحماية المعلومات الشخصية ستعقد مهمة مفاوضات الاتفاق على منطقة تجارة حرة أميركية- أوروبية، يتوقع أن تنطلق خلال الأسبوع المقبل. وأكثر من هذا اعتبرت الصحيفة أن الولايات المتحدة تبنت سياسات أمنية بعد هجمات 11 سبتمبر تبدو اليوم متعارضة مع قيمها الأصلية. ومع أن «سنودن» ينظر إليه كثيرون في أميركا على أنه خائن، إلا أنه مع ذلك قدم خدمة لبلاده بإلقائه الضوء على حجم هذه السياسات. وفي الأخير تمنت الصحيفة ألا تكون ممارسات كهذه موجودة في فرنسا أيضاً، بما يتعدى على خصوصيات الأفراد، وينال من الحريات العامة. وفي سياق متصل نشر الكاتب «باتريك آب- مولر» افتتاحية في صحيفة لومانيتيه بعنوان «حق اللجوء في فرنسا لسنودن» قال فيها إن فرنسا باعتبارها مهد حقوق الإنسان ينبغي أن يجد فيها مطلقو أجراس الإنذار في هذا المجال ملجأ وملاذاً، وخاصة أن الموظف السابق في أجهزة الاستخبارات الأميركية يجد نفسه مطارداً اليوم من قبل سلطات بلاده، فيما يمكن اعتباره تعدياً على حقوق الإنسان. سقوط «الإخوان» في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو بعنوان «مصر: عقوبة فشل الإسلاميين»، اعتبر الكاتب بيير روسلين أن الرئيس المعزول محمد مرسي أظهر عدم قدرة على إدارة بلاده أكثر من الرئيس الأسبق حسني مبارك. وعلى عكس مبارك الذي أمضى قرابة ثلاثين سنة في السلطة، فقد ثارت الاحتجاجات بسرعة ضد مرسي، في وقت مبكر. والحال أن مشاهد ميدان التحرير التي رأيناها مؤخراً تشبه إلى حد بعيد تلك المشاهد التي رأيناها من قبل في سنة 2011، والتي أدت إلى سقوط نظام مبارك. وهذه المرة أيضاً يقود الحركة الاحتجاجية شباب الثوار. وفي كلتا الحالتين كانت الكلمة الأخيرة للجيش. ومع أن جماعة «الإخوان المسلمين» تمكنت العام الماضي من إيصال مرسي إلى الكرسي بنسبة 51,7 في المئة، إلا أنه منذ توليه السلطة ترأس مسخرة ديمقراطية. ولم يتمكن من حل أي من المشكلات الاقتصادية، كما سعى بإصرار لفرض قانون حركته السياسية، ولم تكن الانتخابات بالنسبة لمحازبيه سوى طريقة لفرض ديكتاتورية الأغلبية العددية. وفي الأخير بادر الجيش، الذي ظن مرسي أنه قد احتواه، بالتخلي عنه، بدوره. واعتبر الكاتب أن الوضع الآن على ضفاف النيل يبدو دقيقاً للغاية، إذ يجب الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يعطي انطباعاً بأن التحول المصري الجديد يمكن تصنيفه على أنه انقلاب، لأن ذلك لو وقع سيؤدي إلى وقف المساعدات الأميركية. وفي الوقت نفسه يتعين أيضاً عدم إتاحة الفرصة أمام الإسلاميين للعب دور «الضحية» وتقديم أنفسهم على أنهم تعرضوا لانقلاب على نظام ديمقراطي، يعرف الجميع أنهم لم يكونوا مقتنعين به أصلاً، ولم يرغبوا كذلك في السماح له بالقيام أو أداء عمله. ويبقى أخيراً الأكثر صعوبة: إقامة دولة قانون حقيقية في مصر، مع وجود «إخوان مسلمين» وقعوا أخيراً في كمين الغضب الشعبي. إعداد: حسن ولد المختار