د خليفة علي السويدي أيام معدودة تفصلنا عن شهر رمضان، شهر تجديد التوبة والإيمان، فكل عام وأنتم بخير. وكي لا يتكرر علي بعضنا مواقف الفشل بعد رمضان، وكي لا نكون من عباد رمضان، أنصح نفسي وإياكم بنقل رمضان هذا العام منزلة أخرى في حياتنا من العادة إلى العبادة. ولهذه العملية العديد من الخطوات الواجب الانتباه لها، فالصوم أمر به الله تعالى كل الأنبياء ومن تبعهم. «كتب عليكم الصوم، كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»... آية واضحة في الهدف من صوم رمضان أنه شهر التقوى، فهو مدرسة لها شروط تضمن النجاح فيها، إنْ أردنا التعلم منها، والتميز في يوم العيد، لأنه يوم نيل الجائزة. وللأسف الشديد، أصبح رمضان عند البعض ممارسة لطقوس تم نزع جوهرها منها ففقدت أثرها. فعند البعض هو شهر الأكل والشرب، وهذه أمور مطلوبة في رمضان وغيره لكنه شهر الصوم. فلم نثقل معدتنا بأكل يضر أجسادنا. عند البعض الآخر هو شهر السهر ليس في التهجد عند السحر، لكنه للقضاء على الجوع والعطش يسهر ليله وينام نهاره، فكيف يتلذذ بصيامه هذا الإنسان يحلم أنه قد صام ولم يدرك حقيقة ما فاته من خير وآمان وقرب من ربنا الرحمن. البعض الآخر يخطئ في ترتيب الأولويات في العبادة، فتراه مثلاً لا يصلي الفجر، وهي صلاة مفروضة، لكنه حريص على صلاة التراويح، وهي سنة مطلوبة. إنه فشل في رمضان لأنه لم يحقق الأركان، شأنه كتلميذ استعد للمدرسة بتفصيل ملابسها وشراء متطلباتها والاهتمام بكثر من الشكليات المادية، لكنه مع بداية أول يوم في المدرسة قرر ألا ينتظم في دروسه، أو الاجتهاد في التحصيل، فكيف سيستفيد من هذا التعليم، للنجاح في مدرسة الصوم شروط لابد من تحقيقها لعل من أهمها: النية الصادقة بإخلاص العبادة لله تعالى، فالبعض للأسف الشديد يصوم فقط لأن الناس قد صاموا. وكأن الصوم من العادات والتقاليد، وليس عبادة نخلص فيها لله تعالى، الصوم مدرسة في عبادة السر، وينبغي أن يكون كذلك، لأن النية مطية كما نقول في أمثالنا، فاسأل نفسك قبل الصوم، لِمَ أنت صائم؟ وارتفع إلى أعلى العزائم بجعل رمضان هذا العام عبادة وليس عادة. ومن شروط النجاح في مدرسة الصوم التوبة الخالصة لله تعالى، بأن نتوب من جميع الذنوب كبيرها قبل صغيرها، كي ننجح في بناء علاقة صادقة بربنا، فكيف ينجح في رمضان من استحل الربا مثلاً أو منع نفسه من الحلال في نهار رمضان، وأسرف على نفسه بجملة من المعاصي والآثام في الليل، ومن أسوأ التخطيط في التوبة ما نراه عند البعض من قرار حازم باحترام قدسية هذا الشهر، كما يقال فيقرر أحدهم التوبة المؤقتة، وهي من بعض ممارساته في الكبائر ونيته مخلصة في العودة لها يوم العيد فهل هذه في حقيقتها توبة أم خداع للنفس يقوم به البعض وكأنه لا يدرك أنه يتعامل مع من يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى. رمضان فيه الكثير من العبادات العلنية التي تمارسها جماعة مع الناس، فنحن نصوم معاً، ونفطر في الوقت نفسه، ونصلي التراويح جماعة لكنها مدرسة تعلمنا الاجتهاد في عبادة السر قربة إلى الله تعالى، فما أجمل ذلك الإنسان الذي جعل وقتاً مخصصاً يخلو فيه مع خالقه بعيداً عن نظر المخلوقين، تذرف دمعة على خده، توبة من ماضيه، تجلو بها نفسه، وترقى بسببها روحه، ويتزكى قلبه. هذا الإنسان بلا شك لرمضان في حياته أثر لا ينسى، لأنه شهر كسر فيه عاداته السلبية واكتسب عبادات قلبية وفعلية.