أعترف بأنني معجبة بالسلوكيات الحضارية التي يتعامل بها أغلبية الغربيين مع أجناس وعقائد غيرهم، إلا أنني أشعر بغصة في حلقي وأنا أقف في مطارات أوروبا، وألاحظ عيون بعض الموظفين وهم يُقلبون أوراق جواز سفري، أو وهم يُنبّشون داخل حقيبة يدي، وإحاطتي بهذا الكم من نظرات الاتهام والشك والريبة، كأن الشعوب العربية كلها لديها رغبة عارمة في تفجير الغرب وتحويله إلى ركام. هذا الرأي يُشاركني فيه الكثير من العرب والمسلمين الذين يذهبون لقضاء عطلة الصيف بإحدى الدول الأوروبية، فيعانون من التصرفات العنصرية التي يقوم بها البعض تجاههم قصداً، نتيجة ما اقترفت أيادي أبناء جلدتنا من أعمال إرهابية! أنا لستُ ضد الجماعات الإسلامية، لكن مكانها بالمساجد وداخل أروقة المؤسسات الدعوية، ودورها الحقيقي تعريف الناس بأمور دينهم، وليس بحشر أنفها في السياسة، واستغلال حاجة المواطن البسيط لنشر رؤاها ضيقة الأفق! وهو الدور الذي قام به مرسي إبّان حكمه، رغم حسرة البعض عليه والاعتقاد بأن رحيله قضى على أي بارقة أمل في عودة جيوش صلاح الدين لتحرير أرض فلسطين! لو نظرنا إلى مجتمعاتنا العربية من الأسطح العالية، سنجد بأن الكثيرين يرون بأن الذي سارع في إنهاء حكم «الإخوان» يعود في الأساس إلى تورّط عدد كبير من مشايخه في تأجيج نار الطائفية، بتصريحاتهم المتطرفة تجاه الأقليات، وبسط نفوذه بتفضيل الموالين له على حساب من يملك الكفاءة والخبرة من المواطنين، مما دقّ ناقوس الخطر في بنية المجتمع المصري وعجّل بسقوطه! مؤخراً أصر البرلمان الأوروبي على رفع الحصانة البرلمانية عن «ماريان لوبان» رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية، وابنة الزعيم اليميني المتطرف «جان لوبان» الذي أدين مراراً بالعنصرية، وذلك تمهيداً لمحاكمتها داخل فرنسا، بعد أن وصفت صلاة المسلمين في الشارع بـ «الاحتلال النازي»، على أساس أن كلامها يتضمن دعوة لإثارة الكراهية والتمييز ضد المسلمين الذي يُشكلون 10 في المئة من مجموع السكان. وقد سخرت «لوبان» من قرار البرلمان معلّقة بأنها متمسكة برأيها، وأنها ليست خائفة من الإجراء الذي تمّ ضدها بل تحتقره! بلا شك هناك فئة من الشعب الفرنسي تقف بجانب «لوبان»، لكنني هنا أتحدّث عن وعي الحكومة وحياديتها في التعامل مع مواطنين فرنسيين ينتمون للديانة الإسلاميّة. هذه الخطوة المضيئة تبعتها خطوة جريئة من القناة الرابعة البريطانية التي فاجأت جمهورها بقرارها في بث أذان الفجر طوال شهر رمضان نتيجة تزايد أعداد المسلمين في بريطانيا، موضحة أن تكريسها دقائق للدين الإسلامي يعدُّ أمراً معقولاً. لا أدري لماذا تذكّرتُ ما جرى في ليبيا بعد الثورة على يد بعض الإسلاميين، في تعذيب عدد من المصريين الأقباط لقيامهم ببيع نسخ من الإنجيل للمسيحيين المقيمين هناك، وتوجيه تهمة التبشير لهم! فهل ديننا هش إلى هذه الحد لدرجة أن نلوّح بعصا العقاب لكل من تسوّل له نفسه الإفصاح عن عقيدته؟! هل ديننا يأمرنا التنكيل بكل من يُخالفنا في الدين أو الطائفة أو المذهب؟! رفقاً يا مشايخنا بشعوبنا. لا تستغلوا قلة وعيها وجهلها! علّموها السماحة وتقبّل الآخر. لم أكن يوماً مع مرسي وجماعته لأن الدين من وجهة نظري يجب أن يبتعد عن دهاليز السياسة، لكنني أدرك بأن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر لو مدت يدها إلى الجميع، واستمعت لصوت العقل، وفتحت الباب للتعايش السلمي، وأعلنت مبدأ التسامح مع كافة أطياف المجتمع، لدخل مرسي وجماعته التاريخ من أوسع أبوابه! لكن كما تقول سيدة الغناء العربي «أم كلثوم» فات الميعاد، ولم يعد يُجدي البكاء على اللبن المسكوب!