عرف مجتمع الإمارات، منذ القدم، التواصل بين الحاكم والمحكوم، وهذا التواصل لم يقتصر على آلية أو هيكلية معينة ووفق بروتوكول محدّد في ذلك الوقت، حيث كان هذا التواصل مكملاً لمبدأ الشورى المتعارف عليه في المجتمع، وكان هذا التواصل عبارة عن اجتماع الحاكم مع المواطنين في مجلسه لتبادل وجهات النظر حول قضايا المجتمع والشؤون المحلية، ومع المراحل الأولى لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة أصبح من اللازم إنشاء مجلس يعمل على تنظيم هذه العلاقة ويهدف إلى ترسيخ مبدأ الشورى في المجتمع، فجاء إنشاء «المجلس الوطني الاتحادي» ليكون مكملاً للسلطات الاتحادية في الدولة. وبالتزامن مع افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الخامس عشر في نوفمبر من عام 2011، جاء تأكيد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، للمضي قُدماً في تنفيذ برنامج «التمكين السياسي» في الدولة، حيث قال سموه حفظه الله، «إن انعقاد المجلس اليوم هو تتويج موفّق للمرحلة الثانية في مسارنا المتدرج نحو تعميق ثقافة المشاركة وتطوير ممارستها، وهو خيار اتخذناه بكامل الإرادة الوطنية وسنمضي به إلى منتهاه بكل العزم تلبية لطموحات أبناء شعبنا وبناته في وطن يتشاركون بناءه ويصونون مكتسباته ويفتخرون بالعيش فيه والانتماء له، فالتمكين هو روح الاتحاد ورهانه الكبير»، كما أكد سموه المضي بثبات نحو الوصول بالتجربة السياسية إلى مقاصدها وتحقيق التنمية المستدامة وتوسيع نطاق المشاركة. إن الهدف الأساسي من إعلان قيادة الدولة الرشيدة لهذا البرنامج هو منح الفرصة لجيل الشباب للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تمسّ احتياجات المواطن، بالإضافة إلى حرص القيادة على أهمية مشاركة الجيل الشاب في الدولة كمساهم أساسيّ في عملية التنمية التي تشهدها الإمارات في المجالات كافة، وإدراكاً منها لأهمية تنمية الوعي السياسي للشباب في الدولة، حتى يصبح مؤهلاً وبشكل يمكنه من خوض غمار هذه التجربة البرلمانية الفتيّة وفق تدرج وخطوات تتلاءم مع الثقافة الاجتماعية التي يتميّز بها مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، بعيداً عن التحزبات السياسية والتصنيفات الأيديولوجية. ومع اختتام «المجلس الوطني الاتحادي» لجلسات دور الانعقاد الثاني في 25 يونيو الماضي، فإن عملية تطوير أداء العمل في «المجلس الوطني» وصلت إلى مرحلة عكست مدى نضج التجربة البرلمانية في الدولة، حيث شهد المجلس العديد من الحوارات والنقاشات التي دارت بين الحكومة وأعضاء المجلس، والتي عكست درجة عالية من الوعي السياسي ترجم من خلال التعاون الكبير الذي أبدته الحكومة في معالجة جميع القضايا التي تم طرحها من قِبل الأعضاء. كما أن الدورة الحالية شهدت إنشاء لجنة دائمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية التي قام بها أعضاء المجلس للاطّلاع عن قرب على القضايا والمشكلات التي تهمّ المواطن، ومن ثم نقلها وبشفافية تامة إلى أصحاب القرار، ليتم اتخاذ الإجراء المناسب تجاهها، ومن أهم ما تمت ملاحظته في دورة الانعقاد هذه، هو نسبة الحضور العالية من قِبل الوزراء، التي وصلت إلى نسبة 100 في المئة، علاوة على عدد القوانين التي ناقشها المجلس، والتي بلغ عددها 11 قانوناً، كما أن الحكومة قد أجابت على جميع أسئلة المجلس الموجّهة إليها، وهو ما يؤكد الجهود المضنية التي تبذل للتجاوب مع القضايا التي تطرح في المجلس، والتي تصبّ في النهاية في خدمة الوطن والمواطن. ـ ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدرايسات والبحوث الاستراتيجية.