تذكرت رواية مئة عام من العزلة لماركيز مع وعد الرئيس المخلوع محمد مرسي بمئة يوم لتخليص مصر من مشاكلها. في الحالتين تحكي لنا قصة «الإخوان المسلمين» مع رواية مئة عام من العزلة لما نسميه الاستلاب والعزلة عن الواقع المعيش، فكان وعد الرئيس الإخواني هو بمثابة استلاب وغربة وعزلة عن الواقع المصري لكونه لم يكن في الذاكرة الإخوانية بقدر ما كانت ذاكرتهم مليئة بخطط السيطرة على مفاصل الدولة المصرية. والتعطش للسلطة من طرف حركة «الإخوان المسلمين» هو ما دفعهم للابتعاد عن الواقع، والإخفاق في فهم احتياجاته، فهم كانوا حبيسين لطموحات الحزب الأممي الذي كان يحلم بدولة الخلافة الإسلامية! وكان حكمهم لمصر بمثابة الباب الكبير الذي فتح لهم هذا الحلم أو الوهم السياسي. والقصة ببساطة ليست بمعاداة للفكر الديني كما يشيعون هم دائماً، فهم كثيراً ما يربطون حزبهم بالهدف «المقدس» ومن يعادي أفكارهم فهو يعادي الدين، في زعمهم! وقالها الرئيس الإخواني في خطاباته عندما كان يهاجم معارضيه واصفاً إياهم بأنهم ضد الإسلام أو من الفلول! ولاشك أن المنطق والعقل كان بعيداً عن تفكير «الإخوان»، فهل يعقل أن ما يقرب من 20 مليوناً يعتصمون في الشوارع كلهم يشكلون قواعد الحزب الوطني؟ الرئيس السابق مبارك كان أكثر حساً في فهم نبض الشارع، فقد قرر، وبكل سلام، ترك كرسي الرئاسة، ورفض حتى الخروج من مصر. أما مرسي فكان ممسكاً في الشرعية التي يقول إنها جاءت به، وما كان يدرك أن الشعب هو مصدر الشرعية، والشارع المصري انقلب عليه، وليس الجيش كما يدعي. والسؤال المطروح: لماذا سقط «الإخوان» من الحكم؟ كثير من المحللين يرون أن نقص خبرة الحكم، والتمسك بفكرة الحزب الأممي المتعارض مع الدولة الوطنية، هما العائق الكبير والخلل الجسيم في تفكيرهم، فهم كانت مصر بوابة لأفكارهم. وكان موقف دولة الإمارات العربية المتحدة هو الموقف القوي والشفاف حيث كانت تحذيرات قوية من خطورة الحزب لكونه يشعر بالجوع المغيب للعقل نحو تحقيق المزيد من الاستفراد في السلطة، ومدها خارج الحدود الإقليمية لمصر. لقد غير «الإخوان» الدستور، وعادوْا الإعلام، وأزاحوا الطنطاوي وزير الدفاع، وتصدوا للقضاء واعتدوا عليه، لأنهم كانوا يسارعون الوقت للسيطرة على مفاصل الدولة اعتقاداً منهم بأنهم قد أمسكوا بالسلطة في دولة محورية، ما سيمكنهم من السيطرة ومد النفوذ إلى دول الخليج العربي. ولم يكن لـ«الإخوان المسلمين» مشروع نهضوي لمصر، بقدر ما كان همهم فرض أفكارهم الحزبية التي يسعون لتحقيقها. ولم تكن الديمقراطية هاجسهم بقدر ما كانت أداة للإمساك بالسلطة. و«الإخوان» كانوا يدركون أن العودة إلى صندوق الانتخابات لن تأتي برئيس إخواني، لكون الشعب المصري أدرك خطورة هذا الحزب على مستقبل مصر. والحال أن مكائد «الإخوان» خرجت عن المنطق، ولم تنقذهم من المحاصرة، وانتكاستهم ليست فقط بمصرية وإنما هي أيضاً أممية بالدرجة الأولى. شخصياً لا أشعر بغضاضة من المرجعية الإسلامية السمحة إلا أن الفكر الإخواني كان يقترب من الفكر الفاشي، ولو كتب لهم التمسك بالسلطة لربما تشهد مصر مجازر لا سابق لها. أميركا داعمة لحركة «الإخوان المسلمين» وكانت تراهن عليهم كحلفاء جدد تستبدل بهم حلفاءها القدماء، ويبدو الآن أن القراءة الأميركية خاطئة في فهمها للشارع العربي، ولا نعتقد أنها قادرة على فهم طبيعة الحراك الاجتماعي. ولعل الدرس المصري يدفع الغرب نحو فهم واقعي لطبيعة التغيرات العربية. أما خليجياً، فنتمنى من بعض الأشقاء في دول الخليج العربي أن يدركوا خطورة المراهنة على «الإخوان»، وأن يعيدوا حساباتهم لأجل مستقبل يتجه نحو مزيد من تعضيد علاقة الشعوب بحكوماتها.