تحول موضوع إصلاح الهجرة، ليصبح واحداً من أصعب المشكلات التي تواجه الحزب الجمهوري من ناحية، وتسبب انقساماً داخلياً عميقاً فيه من ناحية أخرى. وإذا ما كان الجمهوريون، وبسبب تلك الانقسامات الداخلية سيقتلون في نهاية المطاف أي فرص تتاح لهم لإجراء إصلاح كبير لإجراءات الهجرة الحالية المعيبة -وهو الأمر الذي يؤيده معظم الديمقراطيون- فإن معنى ذلك أن احتمالات استعادة الجمهوريين للسيطرة على البيت الأبيض عام 2016 سوف تتلاشى لحد كبير. السبب في ذلك بسيط، وهو أن الجمهوريين سيفقدون في مثل هذه الحالة المزيد من الدعم من جانب السكان من أصول أميركية لاتينية، والذين صوتت أغلبيتهم بشكل كاسح لأوباما في انتخابات 2012 الرئاسية- وكانوا من ضمن الأسباب التي ساهمت في تأمين فوزه على منافسه الجمهوري- وهو ما كان يرجع جزئياً لمعرفتهم أنه (أوباما) رئيس يتفهم الحاجة الماسة للتعامل مع ما يزيد على 11 مليون مهاجر موجودين في الولايات المتحدة بصفة غير مشروعة، وإتاحة المسارات القانونية أمامهم للحصول على المواطنة. وعلى النقيض من موقف أوباما، قام رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري الذي خاض الانتخابات أمامه، وفي إطار محاولته لنيل إعجاب قاعدته الانتخابية، بالحديث بشكل متكرر عن «الترحيل الذاتي» للمهاجرين غير القانونيين، باعتباره وسيلة من ضمن الوسائل الأنجع -من وجهة نظره- لحل تلك المشكلة. والأعضاء الجمهوريون الذين تضم قواعدهم الانتخابية أعداداً كبيرة من السكان الأميركيين من أصل لاتيني يعرفون حق المعرفة مدى حساسية هذا الموضوع، وكانوا يقومون دوماً بحملات منظمة داخل حزبهم لدعم موضوع إصلاح الهجرة حتى لا يكون هذا الموضوع مقتصراً على الديمقراطيين. أما بالنسبة للعديد من النواب الجمهوريين الذين جاؤوا من دوائر محافظة تضم أعداداً محدودة للغاية من السكان من أصول لاتينية، فقد كان هناك دعم محدود من جانبهم لموضوع إصلاح الهجرة، ما لم يُسبق ذلك الإصلاح -حسبما يرون- بتطبيق أكثر صرامة بكثير لضوابط الحدود، و إيراد فقرة شرطية في أي قانون جديد، تنص على أن المهاجرين غير القانونيين، يجب ألا يتاح لهم بحال مسار يقودهم في نهاية المطاف للحصول على وضعية «المواطن» بصرف النظر عن مدى صعوبة ذلك المسار، أو طول الفترة الزمنية التي يستغرقها. ويرجع جزء من المشكلة إلى حقيقة أن أعضاء الكونجرس المنتمين لدوائر محافظة، ليس لديهم سوى القليل مما يخشونه بشأن فرص بقائهم السياسي، حتى إذا ما أدت تصرفاتهم إلى إضعاف فرص حزبهم الجمهوري في الفوز بالبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة. تلزم الإشارة في هذا السياق إلى أن المادة 1 من الدستور الأميركي تنص على إجراء تعداد عام للسكان كل عشر سنوات، لإحصاء أعداد المقيمين في الولايات المتحدة والأماكن التي يقيمون فيها. والتعداد الأخير الذي أُجري عام 2010 أظهر أن العدد الإجمالي لسكان الولايات المتحدة الأميركية بلغ 308,745,538، أي بزيادة 27 مليون على التعداد السابق للسكان قبل ذلك بعشر سنوات (عام2000). في ستينيات القرن الماضي، قررت المحكمة الدستورية العليا أنه، ونظراً للزيادة غير المتماثلة للنمو السكاني في مناطق معينة بالبلاد، خصوصاً المناطق الحضرية، فقد كان من اللازم بالنسبة للولايات المتحدة القيام بإعادة رسم حدود الدوائر السياسية، وبالذات دوائر الكونجرس، كي تعكس الواقع الديموغرافي المتغير بعد كل تعداد يتم إجراؤه. وكانت المشكلة أنه سُمح لكل ولاية باختيار الطريقة التي تنفذ بها عملية إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية. وقامت بعض تلك الولايات، بمنح تلك الصلاحية لحاكمها، الذي كان باستطاعته أن يتأكد بدوره من أن لجان إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية، تعكس الآراء السياسية للأعضاء الجمهوريين البارزين ويضمن بذلك أن الدوائر الجديدة التي يتم رسمها ستضمن تحقيق أفضل نتائج ممكنة للحزب. وفي الآن ذاته كان بإمكان ولايات أخرى تعيين لجنة مؤقتة من الحزبين، للتأكد من أن الدوائر قد أعيد رسم حدودها على نحو أكثر عدالة وإنصافاً. وبمرور السنين جرى استغلال عملية إعادة رسم الدوائر الانتخابية على نحو مبالغ فيه، وللدرجة التي كان بمقدور أي حاكم التأكد فعلياً، وقبل إجراء الانتخابات بوقت طويل، بأنه سيعاد انتخابه، وكان ذلك ينطبق على كافة الولايات تقريباً باستثناء ما يعرف بالولايات المتأرجحة، حيث كان الوضع متغيراً قليلًا. ومن التأثيرات الخاصة بتلك الظاهرة، أن أعضاء الكونجرس الذين يحتلون مقاعد آمنة، لم يكن لديهم الكثير مما يمكن أن يقلقوا بشأنه عند الانخراط في المناقشات الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية أو الداخلية الأميركية، بشرط ألا تكون لتلك الموضوعات علاقة مباشرة بدوائرهم الانتخابية. وفي السجال الدائر حالياً في الكونجرس، حول إصلاح منظومة الهجرة، يظهر أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين استعداداً أكبر بكثير من ذي قبل للتفاهم مع الديمقراطيين لاعتماد تشريع جديد. وفي وقت كتابة هذا المقال، تعهد العديد من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين بمعارضة مشروع قانون المجلس الوشيك بشأن إصلاح الهجرة. وسوف يحتاج الأمر إلى درجة عالية من الالتزام والتجرد من جانب رئيس المجلس، جون بوهنر، كي يتمكن من تأمين غالبية من نواب حزبه لدعم المشروع. وإذا ما فشل بوهنر في ذلك، فإن الفشل سيعني أن حزبه الجمهوري سوف يصبح في المستقبل المنظور، حزب أقلية، يهتم أعضاؤه بشكل أساسي بخدمة السكان البيض الذين يزدادون شيخوخة على الدوام. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الحقائق الجغرافية الجديدة لأميركا، والتي ترسم ملامح مجتمع متعدد العرقيات، يزداد شباباً على الدوام، فإن ذلك سيكون بمثابة وصفة أكيدة لكارثة محققة.