تقيم هذا الشهر، إحدى المفوضيات أو الهيئات الدولية الأوقع تأثيراً في حياة كثيرين، والأقل شهرة بين العامة، هي مفوضية مخطوطات الغذاء (Codex Alimentarius Commission)، العديد من الفعاليات، احتفالاً بمرور خمسين عاماً على إنشائها. وهذا الاسم الغريب، ناتج عن أصل الكلمة اللاتيني، الذي إذا ما ترجم حرفياً يعني "كتاب الأغذية"، وإن كان حالياً كثيراً ما يترجم بدستور الأغذية. وتتمتع هذه المفوضية بقدر مماثل من التاريخ الغريب، حيث إنها اشتقت فكرتها -واسمها- من مجموعة من الإرشادات والتوجيهات الاختيارية والتطوعية، تمت صياغتها على مدار أربعة عشر عاماً، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من قبل خبراء، وصناع، وتجار الغذاء، وجميع أنواع الأطعمة، في مدينة فيينا، عاصمة الإمبراطورية النمساوية حينها. وعلى رغم أن هذه الإجراءات والإرشادات لم تدرج في القانون النمساوي حتى عام 1975، إلا أن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، قررت عام 1961 كتابة إرشادات وتوجيهات مماثلة، لتنظيم جميع جوانب قطاع الغذاء على المستوى الدولي، بمشاركة منظمة الصحة العالمية لاحقاً، حيث عقد أول مؤتمر للمفوضية في العاصمة الإيطالية عام 1963. وتغطي هذه المخطوطات -التي هي عبارة عن عدة مراجع من الإرشادات والتوجيهات- جميع أنواع الأغذية والأطعمة، سواء كانت طازجة طبيعية، أو شبه مصنعة، أو مصنعة بالكامل. وبالإضافة إلى بعض المعايير خاصة بأغذية محددة، تحتوي مخوطات الغذاء على معايير عامة، تتعلق بملصقات الأغذية -المعلومات التي تطبع على العبوات الغذائية- ومضافات الغذاء، من ألوان، ومكسبات طعم، أو مكسبات نكهة، والحد المسموح به في الغذاء من بقايا المبيدات الحشرية، بالإضافة إلى الإجراءات الواجب اتباعها لضمان أمن وسلامة الغذاء الذي يتم تطويره بالاعتماد على تقنيات البيوتكنولوجيا. وتحتوي المخطوطات أيضاً على إرشادات وتوصيات تتعلق بالنشاطات الحكومية الرسمية، المتعلقة باستيراد وتصدير الأغذية، ومنح شهادات الاعتماد. وتتوافر مخطوطات الغذاء حالياً بست لغات، منها اللغة العربية، بالإضافة إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية، والروسية، وإن كانت جميع النصوص والمراجع ليست متوافرة في كل هذه اللغات. وتهدف هذه المراجع أو المخطوطات ببساطة إلى توفير أكبر قدر من الحماية للمستهلك، من خلال مده بأغذية تتفق مع معايير محددة للأمن والسلامة. وتتضح أهمية مفوضية مخطوطات الطعام من حساسية المواضيع أو الجوانب الغذائية التي تختص بها. وأحد هذه المواضيع هو المضافات الغذائية، التي هي عبارة عن مواد كيميائية تضاف للطعام، تستخدم لأغراض كثيرة مثل حفظ الطعام من الفساد، أو الإبقاء على نكهته، أو تحسين طعمه وشكله. وبوجه عام، تقسم المضافات الغذائية حسب الهدف منها إلى قرابة العشرين قسماً، يحتوي كل قسم منها على العشرات من المركبات الكيميائية المختلفة. ومن أشهر تلك الأقسام قسم النكهات، الذي إما أن يحافظ على النكهة الأساسية للطعام، أو أن يكسبه طعماً ورائحة خاصة. وعلى صعيد الألوان، يوجد قسمان من المضافات: الأول يحافظ على اللون الأساسي للطعام ويحميه من التغير أثناء التصنيع. والثاني إما أن يمنح الطعام لوناً جديداً، أو أن يستعيد لونه الأساسي. وتمتد قائمة الأهداف التي يمكن للمضافات أن تحققها لتشمل أغراضاً كثيرة، ولكن تظل الحقيقة الأساسية أن انتشار استخدامها حالياً على هذا النطاق الواسع، يعود في جزء كبير منه إلى انتشار تصنيع الطعام. فبمراجعة سريعة لما يتناوله سكان المدن في العصر الحالي، سندرك بسهولة أن جزءاً كبيراً من طعامهم اليومي خضع في مرحلة ما لأحد إجراءات التصنيع، مثل التغليف أو التعليب أو الطهي المسبق. وهذه العلميات تؤثر جميعها على الطعام، مما يفقده لونه أو طعمه أو أو مذاقه، وهي التغيرات التي تحاول مضافات الطعام منعها، أو تعويضها بشكل أو آخر. ويعتبر تنظيم استخدام المبيدات الحشرية والزراعية، والحد الأقصى المسموح لبقاياها في المنتج النهائي من أهم الجوانب التي يسعى دستور الأغذية لتنظيمها، فعلى رغم الفوائد الجمة التي تجنى من استخدام المبيدات الزراعية، إلا أنها غالباً ما تكون سامة بالنسبة للإنسان، أو على الأقل ذات تأثيرات ضارة على صحته. وهذه الحقيقة دفعت الكثير من الدول لحظر استخدام بعض أنواع المبيدات، أو تحديد حد أقصى للاستخدام يعرف بحد الأمان. حيث أظهرت الدراسات العلمية المتعاقبة، وجود ارتباط بين المبيدات الزراعية، وخصوصاً الكيمياوية منها، والإصابة بالعديد من الأمراض. وللأسف، في ظل تزايد ظاهرة العولمة، وانتقال الأطعمة والمنتجات الغذائية عبر الدول والقارات، في غضون أيام أو ساعات محدودة، يتوقع أن تتفاقم التحديات التي تواجه العديد من الحكومات في تأمين موارد غذائية آمنة وسليمة، لا يتعدى محتواها من المبيدات الحشرية، أو من المضافات الاصطناعية، الحدود التي قد تؤثر سلباً على صحة شعوبها ومجتمعاتها. ومثل هذه التحديات، تؤدي مفوضية مخطوطات الغذاء دوراً محورياً في مواجهتها حالياً، كونها منتدى اختيارياً، يضم حالياً غالبية دول العالم، وتتبادل من خلاله الأفكار، والخبرات، والتقنيات الضرورية في توفير غذاء آمن، يكفي لإطعام المليارات السبعة الذين يقطنون كوكب الأرض حالياً.