مرت يوم الثلاثين من يونيو الماضي الذكرى الرابعة والعشرون لانقلاب «الإخوان المسلمين» العسكري على النظام الديمقراطي في السودان الذي كانوا شركاء فيه، وكجزء من خطة التمويه التي رسمها وخطط لها حسن الترابي سمى «الإخوان» انقلابهم بـ«ثورة الإنقاذ» وجمعوا (مجلس الثورة) من بعض الضباط الذين لم يعرف عنهم انتماؤهم لمجموعة الضباط «الإخوان» في القوات المسلحة. وضمن خطة التمويه ذهب الترابي إلى معتقل «كوبر» مع بقية زعماء الأحزاب والنقابات وأعضاء الجمعية التأسيسية، وذهب العميد عمر البشير إلى القصر الجمهوري حسب المقولة الشهيرة لشيخ «الإخوان». وبقية القصة أصبحت معروفة، وفصولها توالت كمسلسل تلفزيوني متقن الحبكة. وقد مرت الآن فترة ربع قرن من الزمن إلا عاماً واحداً حكم فيها «الإخوان» السودان، فماذا فعل فيه؟ هنالك مقولة مشهورة لشيخ «الإخوان» أيام عزه ومجده مسجلة له بالصوت والصورة تفاخر فيها بعد أن أكثر من الإساءة والنقد الجارح، وتهكم على الأحزاب والقيادات السياسية والدينية، حيث قال «إن ثورة الإنقاذ ستغير وجه السودان خلال عقد من الزمن بمشروعها الحضاري». وعلى كثرة مقولاته المشهورة فإن التاريخ سيحفظ له هذه المقولة التي أثبتت الأيام صحتها. فقد غيرت «الإنقاذ» وجه السودان إلى درجة أن السودانيين، الذين عاشوا في السودان في عهود الاستعمار الأجنبي والانقلابات العسكرية السابقة وسنوات الحكم الديمقراطي المعدودة، باتوا لا يعرفون الآن وجه سودانهم القديم الذي عرفوه قبل استيلاء «الإخوان المسلمين» على السلطة بانقلابهم الذي أكمل بالأمس أربعة وعشرين عاماً. ولكن يا له من هول ما أحدثه حكم «الإخوان» في السودان وأهل السودان. فالسودان الذي كان مرشحاً ليكون سلة غذاء العالم عرف أهله في ظل حكم «الإخوان» الجوع والمجاعات والأوبئة والأمراض الفتاكة وموت الأطفال صغار السن من سوء التغذية! وأكبر وأخطر من ذلك عرف الحروب الأهلية والقبلية وما يصحب الحروب بكل تداعياتها من ويلات وضحايا. فبينما كانت الحكومة الديمقراطية مضطرة للحرب في جنوب البلاد -وهي حرب أكدت الأيام خطأها وعدم جدواها- فإن ثورة «الإنقاذ» جعلت من السودان كله مسرحاً للحرب التي أهلكت الضرع والزرع، وحولت ملايين السودانيين إلى لاجئين ونازحين في بلدهم. وشردت ملايين أخرى من المهنيين والمتعلمين والعمال في مشارق الأرض ومغاربها. واليوم وبرغم أبواق الدعاية، فإن هذا البلد الغني والثري بثرواته الطبيعية وأراضيه الخصبة أصبح جل أهله يتكدسون في العاصمة الخرطوم، بعد أن أصبحت الحياة في قراهم ومدنهم في الغرب والشرق والنيل الأزرق وجبال النوبة مسارح لحرب غير معقولة ولا مفهومة، ولن تحقق للحكومة نصراً أو «إنجازاً» كما تقول دائماً. والوضع الاقتصادي صعب! والشاهد على ذلك الموازنة العامة لهذا العام التي يعترف فيها وزير المالية بأن «الفجوة» -هكذا يقول- بين الإيرادات والمصاريف قد ارتفعت، والديون الخارجية قد بلغت حداً عجزت الدولة عن سداد فوائده، والعطالة (عطالة الخريجين وحدهم) 47%. أما عن الفساد فالحديث لم يعد يجدي. وكان رئيس الجمهورية أكد في حديثه لمجلس الشورى (شورى الحزب) بأنه ليس هنالك فساد ولا نهب للمال العام، فالذي حدث هو نتيجة «أخطاء محاسبية»! وأن هذه الأخطاء المحاسبية نتيجة لعدم خبرة وتجربة المحاسبين، لأن الخبراء السودانيين قد هجروا أو هاجروا من البلد! وبعد فهذه صفحة واحدة من سجل حكم «الإخوان» في السودان لربع قرن إلا عاماً واحداً.