يبدو أن مصر، البلد الشرق أوسطي الأهم والأكبر في المنطقة يترنح على أعتاب أزمة خطيرة بعد خروج مئات الآلاف من المتظاهرين للمطالبة بتنحي الرئيس مرسي. هذه الأزمة تجلت بعض مظاهرها في ما رافق الاحتجاجات من تجاوزات، مع احتمال تدهور الأمر ليهدد بحرف المسار الديمقراطي للثورة المصرية وإطلاق موجة من الفوضى يصعب التحكم فيها. ومع أن المطالب التي ترفعها المعارضة والتي خرجت إلى الشوارع في إطار حملة «تمرد»، هي تنحي مرسي الذي انتخب العام الماضي، فثمة ضرورة لجلوس مرسي والمعارضة للتفاوض أملاً في تجاوز الأزمة والوصول إلى حل. بيد أن هذا الأمر يستدعي الاتفاق على تسوية الخلل الكبير في النظام الدستوري الذي كان وراء حالة انعدام الثقة المستحكمة بين الرئيس والمعارضة. وإذا كان وجود مؤسسات أفضل لا يقود بالضرورة إلى انفراج في الانسداد السياسي، فإن التأزم السياسي لن يُحل دون مؤسسات دستورية أفضل، مثل برلمان منتخب ورئاسة بصلاحيات أقل. فلا أحد ينكر المخاوف المشروعة والحقيقية للمعارضة، حيث بدا الرئيس و«حزب الحرية والعدالة»، أكثر انشغالاً بتعزيز أجندتهم الإسلامية من إدارة البلد أو القيام بالإصلاحات الضرورية، كما أن عجزهم المريع في إدارة مصر ألّب على الحزب والجماعة حتى بعض مَن صوتوا لمرسي. لكن ينبغي الاعتراف بأن الأزمة التي تتخبط فيها مصر تسبق حكم مرسي، بل ترجع إلى القرارات غير الديمقراطية التي اتخذت مباشرة بعد ثورة 25 يناير، والتي أطاحت بمبارك، وهي قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فبدلا من اتخاذ الوقت الكافي لصياغة دستور يخضع لآلية التوافق، عهد المجلس بالمهمة لبرلمان لم يكن قد شكل بعد، وحتى هذا البرلمان بعد انتخابه هيمن عليه الإسلاميون وحلفاؤهم وشكّل لجنة تأسيسية لكتابة الدستور طغى عليها اللون الإسلامي. ومما زاد حالة الإرباك في المؤسسات المصرية القرارات القضائية المتتالية التي ألغت البرلمان قبيل انتخاب مرسي، الأمر الذي حرم البلاد من مؤسسة تشريعية تمارس دورها الرقابي على الرئاسة، وحال دون تصريف المعارضة لمظالمها عبر قناة مؤسسية. ثم جاءت قرارات مرسي الأخيرة بتعيين محافظين من الإسلاميين لتؤجج الأزمة الحالية وتشعل فتيلها. والسؤال: لماذا يستمر الرئيس في تعيين المحافظين؟ في أغلب النظم الديمقراطية يتنافس المرشحون على تولي المحافظات، وإذا ما خسر حزب سياسي معين الانتخابات المحلية، فذلك يعني أن مؤشرات الاعتراض قد وصلت من المعارضة، وهو أمر غير موجود في مصر، ليس فقط لغياب البرلمان الذي حله القضاء، بل أيضاً لأن مرسي مرر دستوراً أبقى السلطات متمركزة داخل القاهرة في نظام أشبه بالحكم السلطوي منه بالحكومة الديمقراطية. والآن بعد الذي حصل تبدو القوى السياسية غير مدركة لخطورة إرغام رئيس منتخب على التنحي، فمصر بمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية لا تملك ترف المرور بمرحلة انتقالية أخرى مكلفة تعطل السير العادي لحياة المواطنين. أما الجيش فبدلا من الانجرار إلى فخ التورط في تكرار تجربته الفاشلة في إدارة البلاد، بإجبار الرئيس على التنحي، فعليه الضغط على مرسي للعمل مع المعارضة والتوافق على دستور جديد يصلح الخلل في المؤسسات. وفي الوقت نفسه على مرسي ومعارضيه المسارعة إلى الحوار قبل أن يطغى عليهم الجيش ويزيحهم من المسرح، وأن يتذكروا أن الشعب عندما أنجح ثورة 25 يناير كان يدعو لسقوط النظام وليس مصر. ديفيد فريس أستاذ العلوم السياسية بجامعة روزفلت الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»