قدمت زاوية أبو سليم، التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة في مصر، للعالم نموذجاً مروعاً (الأحد 23 يونيو 2013) من الانتقام، بسحل أربعة من الشيعة المصريين بينهم الشيخ حسن شحاتة. وحسب سيرة شحاتة (1946-2013) فإنه كان أزهرياً سُنياً، واعتقد التَّشيع مذهباً (1996). حاولت الإلمام بثقافته فسمعت تسجيلاته ما قبل تشيعه وبعده، وهي متوافرة (اليوتيوب). اختلف خطابه، بطبيعة الحال، من الناحية المذهبية، لكنه ظهر وكأنه يريد تأكيد الانتماء الجديد بخطاب متشنج تجاوز الاعتدال الذي عُرف به كبار علماء الشيعة. فبسبب هذا الاعتدال الذي مارسه سوية كبار مراجع الشيعة كالسيد حسين البرجوردي (ت 1961) ومشخية الأزهر ممثلة بالشَّيخ محمود شلتوت (ت 1963)، أفتى الأخير بجواز التَّعبد بالمذهب الشيعي. جاء ذلك جواباً على استفتاء: هل يجوز التعبد بالمذهب الجعفري الإمامي؟ فأجاب الشيخ ما نصه: «إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين، من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمَنْ قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره، ولا حرج عليه في شيء من ذلك... إن مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً، كسائر مذاهب أهل السُّنَّة» (للإطلاع على صورة الفتوى ورأي الشَّيخ شلتوت كاملاً في هذه المسألة راجع: أحمدي، الوحدة الإسلامية، وهويدي، إيران من الداخل). لكن لا يعني جواز التعبد بالمذهب الشِّيعي رفع راية الحرابة للمذهب السابق، وقد خصت هذه الفتوى التحول العبادي لا السياسي، ورفع الحرابة بلا شك يجري بمنطق السياسة لا الديانة! فنجد خطاب الشيخ شحاتة قد تجاوز ثوابت التشيع العلوي في ما يخص الأصحاب وزوجات النبي؛ جاء نصاً: «عدولهم وصلحاؤهم وأخيارهم واجبوا التقدير والاحترام وعداوتهم والنَّيل منهم والقدح فيهم لأجل دينهم أو صحبتهم لرسول الله (ص) كفر وضلال، وخروج عن الإسلام لرجوعه إلى عداوة النبي (ص) وبغضه، وهذا ما لا يختلف فيه اثنان منهم. أما نساء النَّبي فهن أُمهات المؤمنين، كما جاء التنصيص عليه في القرآن فمَن استحل منهنَّ ما حرم الله فليس بمسلم، ولا مؤمن إطلاقاً» (القزويني، الشِّيعة في عقائدهم وأحكامهم). ربَّما سيرد علينا أحدهم بما يفتي به المغالون وباثو الكراهية، فهؤلاء لا عبرة ولا عقل بما يقولونه! كذلك مَن يرد ويقول: هذا النص يقصد خاصة علي بن أبي طالب كعمار بن ياسر (قتل 37هـ)، وسلمان الفارسي (ت 35هـ)، مثلما جاء في أحد خطب ضحية التطرف حسن شحاتة في حديثه عن المبشرين بالجنة، فذلك لا عبرة به أيضاً فهؤلاء موقرون عند الشِّيعة بلا إفتاء، إنما النص قصد الآخرين من الصحابة ممَن تعرضوا إلى السَّب في العهد الصفوي لغرض سياسي معلوم. ومحمد باقر الصدر (أُعدم 1980) قال وسمعناه بصوته: «أريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين يا أبناء أبي بكر وعمر، إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم الذي مثله الخلفاء الراشدون، حمل علياً السيف للدفاع عنه... تحت راية الخليفة الأول أبي بكر» (يوتيوب). وقال كلاماً كثيراً في تمجيد الخلفاء الراشدين. وإذا أخذنا بخطاب شحاتة والذين يردون عليه لامتنع عشرة آلاف مصل، وهم من مشايخ أهل السنة، عن الصلاة خلف الإمام النجفي محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1954)، عندما طلب منه مفتي القدس الشيخ محمد أمين الحسيني (ت 1974) التقدم لإمامة هذا الجمع وبالقدس (انظر: الثعالبي، خلفيات المؤتمر الإسلامي بالقدس 1930-1931). حصل هذا عندما كانت كلمة العقلاء نافذة، ولا يفكر أحد منهم باختراق مذهب الآخر، ولأغراض سياسية. مَن يريد القول غير هذا، فلا يقصد إلا امتشاق سيف الفتنة، لأن السَّب مقابل التكفير، أو بالعكس، سيأتي على شعوب المنطقة بالويل والثُّبور، فالتحول من مذهب إلى آخر له خطورته، ونحن نعيش التجاذب الطائفي على وتر الإسلام السياسي، الذي تعتبر الطائفية بالنسبة إليه، وعلى وجه الخصوص في البلدان المختلطة مذهبياً، التُّربة الخصبة لكسب السلطة. غير أن الخطاب مهما تصاعدت نبرته، والخلاف مهما اشتدت لهجته، لا يبرر الجريمة، ولولا تقافز فقهاء الفتنة، من السابِّين والتكفيريين، على المنابر ما كان الأمر يتردى إلى هذا الحد. نعم، يتصاعد الغضب الطائفي عندما يُخاطب رئيس الجمهورية، وعلى مرأى ومسمع منه، بالتخلص من المخالفين بالمذهب، وهم إن أصابوا أو أخطأوا من رعايا الرئيس! هذا ما خاطب به شيوخ سلفيون الرئيس الإخواني، وهو لم يعترض! أقول: إذا كشرت الفتنة الطائفية عن أنيابها وأنشبت أظفارها لا تنتهي بقتيل أو قتيلين، ولا بنزوح عن الأوطان، إنما سيسفر الدم عن دَم والسَّحل بعده سحل، لأن الأمر ينزل إلى العوام وغرائزهم المستثارة، يتحولون إلى كواسر، يهيجهم الخطاب المسعور. ومَن شاهد مقطع اليوتيوب الذي صور لحظات ارتكاب جريمة السحل والقتل للشيعة الأربعة، هل يعتقد أن هؤلاء أبناء تلك الزاوية المسالمة، وما لهم من عشرة وجيرة مع شحاتة وجماعته؟ أم أنهم خرجوا مِن قمقم التاريخ، متصورون أنهم يقومون بواجب مقدس يرفعهم منزلة عند الله! إن قتل وسحل الشَّيخ شحاتة والثلاثة مِن قبل مواطنيهم بسبب مذهبي تنبؤك بأن تفككاً اجتماعياً لدولة المواطنة قد بدأ؛ وحسب ما نرى ونسمع هناك الإعداد لثارات طائفية سيؤذى بها أبرياء لا شأن لهم بسبٍ أو تكفير، ومن الصُّعوبة حصرها بناحية أو بلاد إنما التهييج أخذ طريقه وعلى لسان أحزاب ومنظمات، فقد صار شحاتة «شهيد المذهب» عبر الأوطان! وهناك مَن أطلق عليه «أسد مصر»، كأنه مرابط في الثُّغور! ومع إدانة الجريمة بشدة، لكن علينا عدم إغفال دور السَّب والتكفير فيها، والخطاب المتخشب. فعلى الجانب الشيعي، وأقصد المنزلقين بالطائفية، أن يطالعوا احتجاجات المثقفين المصريين وشيوخ الأزهر ضد قتل شحاتة، وأن يتركوا ما حدث بمصرَ بحدود مصرَ، لا يدولون القضية. فإذا أُخذت النزاعات الطائفية، من شرق المنطقة وغربها، على أنها نزاعات بين دول وشعوب لتحولت إلى مواجهات دولية، ولاحترقت المنطقة في أتونها.