حينما تقوم حكومة ما بإعطاء أفراد مجتمعها دوراً رقابياً على ما تقوم به من خدمات تقدمها إليهم؛ فإن هذه الحكومة تستحق منا أن نسجل لها الإعجاب بما تقوم به. وعندما تطلب منا أن نتفاعل معها من أجل تحسين الخدمة التي تقدمها؛ أعتقد أنها حكومة تستحق كسب احترام الناس وتأييدهم والتفاعل معها أيضاً. أتكلم هنا عن مبادرة «حارس المدينة»، وهي من الأفكار الحيوية والجميلة التي لازمت حكومة أبوظبي خلال الفترة الأخيرة، والتي بدأت كفكرة منذ عامين تقريباً عندما أُعلن عنها في أحد معارض أبوظبي، وكانت فكرة تجريبيةً، بينما تم تفعيلها وإطلاع الرأي العام عليها منذ شهر تقريباً. طُرحت هذه المبادرة لإيجاد شراكة مجتمعية مع أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين في إمارة أبوظبي، وسعياً إلى جعل دور الإنسان الإماراتي حاضراً فيها بشكل فعّال، من أجل النهوض بخدمة المجتمع وصناعة التقدم في الإمارة، باعتبار أن أساس نجاح كل الحكومات في العالم يكمن في إرضاء شعبها. والمبادرة عبارة عن وسيلة لتوصيل معلومة عن مشكلة ما في خدمة معينة تنبَّه إليها أحد الناس في الإمارة، ويعتقد أنها تمثل خطراً على أفراد المجتمع، وبالتالي عليه في هذه الحالة الإبلاغ عنها بالطريقة التي يُعتقد أنها الأسهل له، سواء باستخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي عبر تسجيل فيديو أو صورة أو حتى تسجيل صوتي، أو بالاتصال هاتفياً بفريق عمل «حارس المدينة» الذي يعمل على مدار الساعة. الأجمل في الموضوع أن الحكومة أعطت حارس المدينة صلاحية المتابعة، أي «المراقبة»، بعد تبليغه عن المشكلة ليتأكد إن كانت شكواه قد تم التعامل معها بإيجابية أم لا. وأعتقد أن هذا ما يمثل القيمة الجديدة في المبادرة؛ لأنك لن تعط هذه الصلاحية إلا وأنت متأكد من قوة موقفك، وأنك تسعى حقيقةً إلى إرضاء الشعب، وفي كل خير. كلنا يعرف أن دور المؤسسات الحكومية مهم في إنجاح نوعية الخدمة، بل إنه مسؤوليتها، لكن يبقى تفاعل عناصر المجتمع معها جهداً يسهم بأدوار مختلفة في صناعة ما تتمناه الحكومة من مستوى خدمي يرتقي بطموحاتها التي تتمناها للإنسان في مجتمعها. وهذا ما تراهن عليه حكومة أبوظبي. الفكرة لا تعطينا فقط دليلاً على تحضر المجتمع وإحساس أفراده بمسؤولياتهم تجاه المكان الذي يعيشون فيه، ولكن أيضاً إسهام الإنسان في تأمين نفسه وأسرته من الأخطاء قد تبدو بسيطة في شكلها، غير أن نتائجها قد تكون كبيرة في لحظة معينة. إن بعض الهفوات تبدو بسيطة في المجتمع، لكنها تتسبب أحياناً في منغصات وربما كوارث. والمبادرة تعطينا مؤشراً إلى أن حكومة أبوظبي تتطلع إلى مجتمع إيجابي في عمومه تجاه وطنه والخدمات التي تقدمها، ويمكن اعتبارها فرصة لإيجاد هذا التعاون على أساس أن الحكومات في العالم، وليس الإمارات فقط، لم يعد بمقدورها إدراك كل شيء دون تفاعل المواطن، وذلك نتيجة للكثير من المهام التي تُلقى على عاتقها. واقعياً، وفي أي مجتمع، فإن الفرد الذي لا يرغب أن يكون إيجابياً مع حكومته ومتفاعلاً مع مبادراتها التي تحسِّن الخدمات المقدمة إليه، فهو لا يدرك دوره الوطني الحقيقي. حكومة أبوظبي خاصة، والإمارات بشكل عام، لم تعد تفوت على نفسها أي فكرة يمكن أن تفيد في تقديم خدمة للإنسان الإماراتي دون أن تحولها إلى مبادرة تدعو فيها الإماراتيين إلى التفاعل مع تطوير ما تقدمه ليكون الأفضل. وأعتقد أن مثل هذا الأمر يبدو مثالياً على الأقل في هذا الزمن. وهذا التحرك لا ينطلق من فراغ، بل يعطي انطباعاً بالتفاعل الإيجابي. والرغبة في حماية المجتمع وهو في صورته النهائية، تعني رؤية مميزة من الحكومة للمواطن. ومن يتابع تفاصيل العمل في حكومة أبوظبي يجد أن هناك حسابات كبيرة تتطلع نحو المستقبل البعيد، فهي تعتبر أن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وينبغي الاستثمار فيه وإشراكه، كما أن القضايا المطروحة في هذه المبادرة هي قضايا إنسانية، ما يعني أن الأمر يتعدى الإمارات إلى العالمية. فقضية مثل البيئة تتعدى الإمارات، مع أن المبادرة يمكن كذلك أن تكون فكرة لنشرها في المجتمعات الأخرى من العالم. أبوظبي تتطلع إلى أن تصبح واحدة من أهم الحكومات في العالم، ووضعت استراتيجية 2030 موعداً لتحقيق الهدف، وبالتالي فإن القائمين على الاستراتيجية يدركون أن الأمور تحتاج إلى مزيد من التفاعل الإيجابي من الإنسان الإماراتي، لذلك فهي منحازة تماماً إليه باعتباره أفضل من يقيِّم عملها. الإمارات لا تعاني مشكلة في الخدمات المجتمعية مقارنة بالكثير من المجتمعات العربية والغربية، وهذه حقيقة، وهذا لا يعني أنه لا توجد فيها مثل تلك المشكلات، وإنما المسألة نسبية. وما تفعله في هذه اللحظة من خلال هذه المبادرات متعلق بالمستقبل الذي تكمن فيه الأهداف الاستراتيجية لأي حكومة. كثيرون يشيرون إلى أن الإمارات نموذج عربي -وأنا أضيف أنه في كثير من الجوانب عالمي- في إيجاد منظومة متكاملة لراحة الإنسان، وهي حالة تعبر عن قيم قد لا يدركها العديد من الإماراتيين إلا بعد الاطلاع على تجارب الآخرين. لا يمكننا أن نتجاوز في المشهد الاجتماعي للإمارات أنه في الوقت الذي يعمل فيه الجميع على التصارع الداخلي والخارجي، نجد الإمارات وكأنها ليست من دول هذا الإقليم، فهي تعلن عن المشاريع الخدمية للمواطنين، دليلاً على وضوح الرؤية الاستراتيجية لنخبة الحكم في الدولة. لم يعد سراً أن الإمارات تسعى إلى إيجاد شراكة مجتمعية مع الإنسان فيها، بهدف الارتقاء بمستوى الخدمة التي تقدمها. كما لم يعد سراً أنها تدرك أن مسألة تحقيق الأهداف التي تريدها لمواطنيها تتطلب النجاح في حفز أفراد المجتمع ليكونوا مسؤولين عما يحدث ويجري العمل عليه.