ربما يكون العنف المؤسّسي قد تفتت وتهاوى مع نظام بن علي، إلا أن العنف يتم ارتكابه اليوم في مجالات أخرى. ويشكّل الهجوم على السفارة الأميركية في سبتمبر الماضي من قبل متطرفين، والصدامات الأخيرة بين الشرطة ومساندي «أنصار الشريعة»، وهي جماعة سياسية تريد إنشاء دولة دينية يتم فيها فرض تفسيرها للفقه الإسلامي، مجرد مثالين. ويعيق هذا العنف توجّه تونس إلى الأمام نحو التقدم الاقتصادي والديمقراطي، ويجب أن يكون الأمر الوحيد الذي تتفق جميع الأحزاب السياسية على التعاون ضده. أصبح العنف باسم حماية الثورة اليوم أمراً شائعاً. وتضم الأمثلة اغتيال «لطفي نقض» في تطوان في أكتوبر الماضي، وهو ممثل لحزب «نداء تونس»، الذي يشكّل جزءاً من تحالف المعارضة، كما لاقى شكري بلعيد، وهو قائد يساري وأحد شخصيات المعارضة، المصيرَ نفسه. ما زالت هذه القضايا غير المحلولة تشكّل خلاصة النزاع الذي شهدته تونس بعد الثورة. أؤمن كشاب ناشط في مجال المجتمع المدني أن نهايةً للعنف السياسي أمرٌ ممكن عندما تتسامى الأحزاب السياسية على خلافاتها وتضيّق المصالح الحزبية، وتتفق جميعاً أنها لا تريد العودة إلى الديكتاتورية. لكن حتى يتسنى تحقيق ديمقراطية حقيقية، يجب أن يسود الأمن الشخصي. تمر تونس اليوم بفترة قاسية وتحول ديمقراطي صعب مليء بالاضطرابات بين أفراد التحالف الحاكم بقيادة «حزب النهضة»، وكذلك بين أحزاب المعارضة، التي ينادي معظمها بالفصل بين الدولة والدين. ورغم أن «النهضة» يدعي بدعمه غير المشروط للطابع المدني للدولة، فإن العديد من ممثليه في المجلس التأسيسي يفضلون عدم التفريق بين الدين والدولة. إلا أن النزاع العنفي يثيره طرف ثالث في المشهد السياسي، يتمثل في «أنصار الشريعة». ولا يتردد أنصار هذه الجماعة في استخدام العنف لتحقيق أهدافهم. وأدان الغنوشي، زعيم «النهضة»، في مارس الماضي العنفَ، ودعا كافة الجماعات السياسية، بما فيها «أنصار الشريعة»، إلى الحوار. وحتى تاريخه، لم تقبل الجماعات هذه الدعوة. يجب أن يكون للجميع الحرية في نشر أفكارهم والترويج لمعتقداتهم وممارسة شعائرهم. لكن العنف والطروحات التي تثير العنف هي خط أحمر يجب عدم عبوره تحت أية ظروف. ويجب تطبيق ذلك على الجميع بغضّ النظر عن انتمائهم. ليس هناك من بديل للأحزاب السياسية سوى الاتفاق على مواجهة أخطار الإرهاب والتطرف الديني. لا يمكن للأمن أن يسود ما لم يتم تحقيق عدد من الحالات، أهمها إنشاء نظام أمني وطني وثقافة قادرة على التسامي على المناوشات السياسية. سوف تحتاج مؤسسة كهذه إلى اتخاذ خطوات لمنع المؤسسات الدينية من أن تُستخدَم من قبل الجماعات المتطرفة للمناداة بالعنف والكراهية، أو تكفير أي شخص لا يتفق مع معتقداتهم. يأمل عدد كبير من التونسيين أن يؤدي الحوار الوطني الحالي إلى إجماع بين كافة الأحزاب السياسية حول إضافة نص في الدستور القادم يشدد على أهمية التأكيد على هذه النواحي على بناء نظام ديمقراطي سياسي يضمن الحقوق المدنية، ويمنع بالتالي إعادة ظهور الديكتاتورية في زي جديد. ويتوجّب على جميع الأحزاب وضع المصالح الحزبية جانباً عندما يتعلّق الأمر بالأمن العام للبلاد. لا يمكن بناء تونس إلا بأيدي مواطنيها، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وأفكارهم. ويؤثّر العنف المنتشر على كافة أعضاء المجتمع، بغضّ النظر عن أفكارهم السياسية، لذلك حان الوقت للاتحاد لصالح البلد ككل، لنضع نهاية للعنف حتى تتسنى لنا إعادة الاستثمارات الاقتصادية وخفض البطالة والاستمرار في بناء دولتنا الديمقراطية بسلام. محمد مساعي عضو في مجلس القادة الشباب في مدينة سوسة ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية