يثير البعض بين الفينة والأخرى جدلاً حول قانونية إنشاء تنظيمات سياسية أو هياكل حزبية في الإمارات. وترتكز حجة هؤلاء إلى فراغ نصوص الدستور الإماراتي من مواد تمنع تأسيس الأحزاب. ويذهب هؤلاء إلى القول إنه طالما أن القاعدة هي أن الأصل في الأشياء الإباحة، فإن عدم المنع يقتضي تبعاً لذلك السماح بتأسيس أحزاب. ونحاول في هذا المقال الموجز معالجة هذا الأمر ودراسة قانونية الدعوة لإنشاء أحزاب سياسية في الإمارات. ويجدر التوضيح أن هذا ليس بحثاً سياسياً حول جدوى إنشاء أحزاب سياسية في الدولة. فهذا مجال آخر له رواده ومختصوه، وإنما يقتصر الأمر على محاولة التأصيل التشريعي لقانونية إنشاء أحزاب سياسية في الدولة. الحِزْب لغة كل قوم تشاكلت أهواؤهم وأعمالهم (المعجم الوسيط). وفي التنزيل العزيز « كل حزب بما لديهم فرحون» المؤمنون 530. ولقد خلت نصوص الدستور الإماراتي من أية إشارة إلى الأحزاب السياسية واكتفى المشرع في المادة 33 من الدستور تحت بند «حرية الاجتماع» بالقول إن «حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، مكفولة في حدود القانون». والفحص الدقيق لهذه المادة، يجلى عن استنباطين في غاية الأهمية. الاستنباط الأول هو أن الدستور الإماراتي جعل الأصل التشريعي في إنشاء أية هياكل مدنية هو وجوب النص التشريعي عليها. الأمر الذي يجعل غياب النص التشريعي دليلاً على المنع والحظر وليس الإباحة. الاستنباط الثاني هو أنه في الحالات التي سمح فيها الدستور بإنشاء هياكل مدنية قرن ذلك بإصدار تشريعات تنظم إنشاء مثل هذه الهياكل. وتطبيقاً لنص المادة 33 من الدستور، فقد صدر القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1974 في شأن الجمعيات ذات النفع العام الذي أُلغيَ بالقانون الاتحادي رقم (2) لسنة 2008 في شأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام. ولقد تناول الباب الأول من القانون (المواد من 3-22) ما يتطلبه إنشاء الجمعية من إجراءات. ولقد قرن القانون في المادة (10) منه اكتساب الجمعية الشخصية الاعتبارية بإتمام إجراءات شهرها في السجل الخاص بذلك. الأمر الذي يعني بمفهوم المخالفة أن الجمعية لا تنشأ ولا يكون لها وجود قانوني قبل ذلك الإشهار. وتأكيداً على ذلك فقد نصت المادة (54) من القانون على أنه «لا يجوز لأية جماعة أو جهة ممارسة أي نشاط من أنشطة الجمعيات إلا وفق أحكام هذا القانون وبعد إتمام إجراءات شهرها». كما نص قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 على الحبس أو الغرامة على كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار في الدولة بغير ترخيص من الحكومة جمعية أو هيئة أو تنظيماً من أي نوع كان ذا صفة دولية أو فرعا لأي منها» (المادة 181). وجميع هذه النصوص يؤكد عدم إمكان تطبيق قاعدة المسكوت عنه مسموح للوصول إلى القول بأن خلو الدستور الإماراتي من نصوص تمنع إنشاء الأحزاب دليل على جواز السماح بإنشائها. وما ذهب إليه الدستور في الإمارات ليس بدعاً من القول بل إن الأعم الغالب في الفقه الدستوري المقارن، هو أن الأصل هو وجود نصوص دستورية تسمح بإنشاء أحزاب أو تشير إلى ذلك صراحةً. فالدستور المصري الجديد الصادر في سنة 2012 ينص على شكل الحياة السياسية بالنص في المادة (6) منه على أنه «يقوم النظام السياسي على مبادئ الديموقراطية والشورى، والتعددية السياسية والحزبية ... » كما تنص المادة (51) من ذلك الدستور على أنه «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب». أما دستور عام 1971 فقد نص في المادة (5) منه صراحةً على أنه «يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب ... وينظم القانون الأحزاب السياسية». وعليه فإن ما ذهب إليه المشرع الدستوري في الإمارات يتفق مع الاتجاه السائد دستورياً في أن الأصل عند إنشاء الأحزاب النص دستورياً على إمكانية وجودها ثم وضع الإطار التشريعي المنظم لإنشاء الأحزاب ونشاطها. صفوة القول أن الأصل في إنشاء الأحزاب السياسية في الإمارات هو الحظر إلى أن تقرر القيادة السياسية خلاف ذلك بنص تشريعي صريح الدلالة والقول بغير ذلك يعد مخالفة صريحة لنصوص الدستور والتشريع وأية محاولة لإنشاء أية هياكل مدنية دون تصريح بذلك من السلطات المختصة يعد أمر مخالفاً للقانون يضع مرتكبيه تحت طائلة المساءلة القانونية.