هناك الكثير من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية حول أهمية المال والثروة في حياة الإنسان، إلا أن المكتبة العربية تفتقر إلى الدراسات النفسية التي تُعنى بدور المال والثروة في حياة الناس وحركة التنمية، رغم وجود مختصين نفسانيين عرب كثُر. وفي السنوات الأخيرة أصدر بعض مختصي علم النفس كتباً تتحدث عن هذا الجانب، ومنها كتاب «سيكولوجية المال» لأستاذ علم النفس في جامعة المنصورة الدكتور أكرم زيدان، والذي صدر في عام 2008 ضمن سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية. وأهمية هذا الكتاب تكمن في كونه أول كتاب عربي في علم النفس يتحدث عن طبيعة المال والثروة في حياة الإنسان، وفي كونه يطرح الكثير من الرؤى والمفاهيم والتعريفات النفسية، والعديد من التفسيرات والتحليلات المتعلقة بالجانب النفسي للشأن الاقتصادي. وقد أخضع من خلال دراسته العديد من الظواهر والسلوكيات الإنسانية التي تتعلق بتعامل الإنسان مع المال والثروة للتشخيص النفسي، على اعتبار أن المال ليس مجرد موقف اقتصادي، بل هو خبرة وجدانية معيشية يكوّن من خلالها الفرد مجموعة من القيم والاتجاهات النفسية والاجتماعية التي تشكل نظرته نحو المال والحياة، وهو يؤدي دوراً مباشراً في الصحة النفسية وسيكولوجية الحياة اليومية التي يعيشها الإنسان في المجتمع. وهذا الأخير بدوره له تأثير مباشر على صحة الفرد ونجاح التنمية بشكل عام، حيث إن للمال أمراضاً نفسية واجتماعية، مثل البخل والديون والرشوة والنصب والاحتيال والتهرب الضريبي والإسراف القهري والادخار القهري... وكلها تنتج عن ممارسات فردية ومجتمعية. وقد تأتى التفسير الذي يطرحه المؤلف من خلال تشخيص «سريري» لبعض الظواهر والأمراض ذات الصلة، كما استند إلى معطيات مهمة أوضحتها دراسة النفس البشرية وما يعتريها من أمراض. وبذلك التشخيص يربط المؤلف بين علمي النفس والاقتصاد، فهو مثلاً عندما يحدثنا عن البخل كمرض نفسي، يبين أسبابه ويصنف أنواعه؛ بخل الحرص والتبذير، بخل الوهم والخداع، بخل الحسد، بخل المحافظة، البخل الانفعالي... كما يشرح الخصائص النفسية للبخلاء؛ لماذا يصبح الإنسان بخيلاً؟ ولماذا يحرص على المال بشدة؟ ولماذا يكتنز المال ويبخل به على نفسه والآخرين؟ وماهي الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية للبخل والبخلاء في المجتمع؟ والأمر نفسه ينطبق على موضوع التهرب الضريبي، رغم أن الضريبة عقد اجتماعي إجباري بين الفرد المقتدر مالياً والدولة، كمساهمة في الأعباء العامة من أجل تدعيم المجتمع والحفاظ على كيانه حتى ينهض بإمكاناته وقدراته في مختلف الأنشطة والمجالات، ولتوفير مختلف الخدمات للأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد. يفسر الكتاب سلوك المتهربين من دفع الضرائب كاتجاه سلبي نحو المجتمع والقائمين على أموره، خاصة حينما يشعر الفرد بعدم الثقة والأمان، أو يعتقد بأن الخدمات التي ينالها تقلّ عما يدفعه من ضرائب. وإذا كان غالبية الناس يظنون أن المال والثروة هما مفتاح السعادة، فإن الدراسات النفسية تؤكد أن المال أيضاً قد يجلب التعاسة والألم، خاصة إذا انعدمت الفاعلية الذاتية والكفاءة النفسية عند الإنسان. وإذا كان للفقر مخاطره الكثيرة، فإن مخاطر المال قد تفوقها، خاصة حين يعتد المرء بماله اعتداداً كبيراً ويقدره فوق قدره، ويعتبره كل شيء في الوجود ويراه الكمالَ الإنسانيَّ كلَّه، فيبدأ ينظر لنفسه أيضاً على أنه كامل وفوق أي عيب أو نقص. وقد تعظِّم هذه الصورة لدى الفرد مجموعةُ الناس المحيطين به من المتملقين وأصحاب المصالح الذين يطرون سيئاته ويزخرفون انحرافاته. وحينئذ يصبح المال في نظر ذلك الشخص هو كل شيء، فيقسو وتموت عواطفه، فلا يرأف بأحد ولا وطن، ولا يكترث لغيره.