معركة «القصير» أخرجت الطائفية من كُمونها، وأظهرت الوجه المذهبي بكل بشاعته لأنه لا يزيد النار إلا اشتعالاً، ولا يزرع في الإنسان السوري إلا بذور الانتقام، خاصة بعد دخول "حزب الله" على خط المعركة الدائرة هناك، والوقوف مع النظام الذي يقدم شعبه قرباناً على مذبح الطائفية البغيضة. بيد أن "حزب الله" الذي خسر رهان بناء لبنان حرة من أغلال الطائفية الضيقة، والذي يطالب بحياد لبنان في الوضع السوري خرج لـ"الجهاد" مع النظام ضد الشعب السوري الأعزل إلا من فتات أسلحة النظام القاتلة، يبدو أن مبادئ المقاومة انقلبت في سوريا ضد الشعب السوري، وكأن العدو الأبدي الذي دمّر لبنان مرات ومرات قد اختفى عن الأنظار وحل محله شعب النظام الجبار، بدل "شعب الله المختار" الذي طالما تبجح "حزب الله" بمكانته بزعمه دفاعاً عن الوطن المستباح في سوريا بعد لبنان. إذا كان يمكن لنا القول إن الأسوأ لم يأت إلى سوريا بعد، فإن حشر "الطائفية" في معركة القصير هو بداية الأسوأ، ولقد ذاق لبنان مرارة الطائفية في حرب دامت عقداً ونصف العقد من عمر الزمان فماذا يريد "حزب الله" لسوريا بعد أن دس أنفه في الأسوأ الذي يحرص الجميع على تجنبه، بل وتجاوزه إلى دولة المواطنة الحقة التي لا تحرق أحداً على حساب أحد. إذا كان النظام السوري يحارب الشعب من أجل إطالة أمده في الحكم، فما مصلحة "حزب الله" في المشاركة الميدانية للسير مع النظام في تحقيق نفس الغاية لمصلحة من في نهاية المطاف؟ فإذا كانت إيران ونفوذها التي أعلن نصرالله ولاءه الطائفي لها هي الغاية الأساسية من كل هذا الاختراق لأبسط قواعد الدين، فماذا بقي لهذا الحزب من مصداقية رفع رايتها في حرب 2006، ولكن سرعان ما سقطت في معركة "القصير". لا تزال الأيام حبالى لمن لا يدركون حقائق الأحزاب التي تخترق حصانات الأوطان وتقفز على جدرانها لبيع ما تبقى لمصلحة نوع آخر من أعداء الداخل وهم الأخطر، لأن ظهورهم المفاجئ يربك المعادلة الوطنية الذي تذرع بها "حزب الله" لعقود قد اختلطت بطائفية عقيمة لا تنتج سوى المزيد من التشرذم والأحقاد والضغائن، بدل الوقوف صفاً واحداً أمام عدو أوحد طالما تغنى الحزب بهزيمته وتوعد بحرقه وتدميره، إلا أن معركة "القصير" أخرجت تلك الشعارات من وعائها وأظهرت الأنياب من أغمادها، للإعلان بأن الطائفية هي التي ستقود ليس سوريا وحدها، بل المنطقة بأكملها إلى بحر لا قرار لهيجانه. إذا لم يعتبر "حزب الله" من تجربة الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت لبنان غير مستقر حتى الآن، فإن تجربة الحزب العابرة بطائفيتها إلى سوريا تعد شراً مستطيراً وليس من مستصغر الشرر، بل هو الشرر بعينه المتطاير من تحت رماد الطائفية إلى العلن. إن يد "حزب الله" الطولى يجب أن تسحب قبل فوات الأوان، وإلا فإن القادم الأسوأ لسوريا مسألة وقت، وكلما تلطخت أيادي "حزب الله" بدماء السوريين، فإن نبرة صوت الحرب الأهلية الطائفية تعلو مع الأيام، فليس من مصلحة سوريا العليا ولا النظام الحاكم المضي مع "حزب الله" حتى الطريق المسدود ولا النفق المغلق منذ بداية الأزمة فتراجع الجميع عن هذا النهج الدموي هو عين الصواب، أما الإصرار على الاستمرار في استباحة الأعراض وقتل الأطفال الرضع والاستهانة بدماء الأبرياء، فلا يجر ذلك إلا إلى حرب حارقة لكل بارقة أمل تخرج من العمق السحيق للأزمة.