قامت جماعة مسلحة بتفجير ضريح الصحابي حُجْر بن عَدِي (قتل 51 هـ)، السادس من مايو 2013. كان عملاً طائشاً لا يرقى إلى جماعة تصف نفسها بالتزام الدين والجهاد ضد مستبد، حسب ما تدعي تلك الجماعات. قد يكون هذا الفعل من لدن الحكومة السورية، مثلما يفسره البعض، لإعطاء صورة مأساوية لما سيحصل بعدها، لكن لو نفت «النصرة» وأخواتها ذلك! هذا الفعل وسواه يؤسس لعصر ديني مشوب بحروب عرقية وطائفية، تبدأ ولا تنتهي طالما القوة والسلطة بيد إسلاميين، حياتهم في النزاعات بين الموتى. فالماضي هو المعاش ولا ربيع مورق، يصف «إخوان الصفا» (ق 4 هجري) الدنيا عندما يغادرها الربيع: «كأنها عجوز هرمة قد دنا منها الموت» (الرسالة 36). أراه وصفاً مناسباً لدنيانا إذا سادت فيها هذه الجماعات التي تجد ربيعها في الموت والهدم. كانت ردة فعل وزارة التعليم العالي العراقية متناغمة لكن بموقف معاكس، عندما أمر وزيرها بوقف العمل في المؤسسات التابعة؛ حداداً على تفجير الضريح، وعلى ما يبدو بعراق اليوم الوزارات غدت مُلك يمين الوزراء! لسنا ضد شجب هذا الفعل إذا كان من قنواته، أي احتجاجات علماء الدين شيعة وسنة، فصاحب المرقد صحابي قُتل صبراً، والتواريخ كافة ذكرت شجاعته وشجبه سبّ الإمام علي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)، وهو ما ظل يفعله الخصوم السياسيون بين حين وآخر، لكن ما لوزارة التعليم العالي بهذا الأمر، وما للسلطات الرسمية كافة؟ إنها لحظة التذكير بأن السلطة القائمة سلطة دينية، والأضرحة تهمها أكثر من الأحياء، لا الدماء التي تسيل أنهاراً ببغداد وغيرها من مدن العراق، غرباً وجنوباً ووسطاً، فحسب رسالة إحدى الطالبات، وهي على مذهب الوزير والملتزمات بالزي الديني، أن ضحايا العامرية الذين نحروا بتفجير مريع في اليوم نفسه، لم تهز الوزير، إنما هزه ضريح حجر بن عدي. وهو لا يعني شيئاً قياساً بالقتل اليومي الجاري، بناء هُدم وسيُبنى، ألم تعد القبة العسكرية بعد تفجيرها، الغامض حتى اللحظة، ببناء فاق القديم؟ وكم مرة هدمت الأضرحة ببغداد خلال المعارك بين العثمانيين والصفويين ثم أعيدت بأحسن منها! إن تبني وزارة التعليم لعقيدة الوزير الدينية يُنبيك أنها ليست وزارة تعليم عالٍ؛ بل هي في أية لحظة يمكن تحويلها إلى تكية دينية، ويُنبيك أنه لم يبق من حدود بين اختصاص الوزارة المذكور واختصاص مرجعية دينية أو دائرة أوقاف. لقد أُدخل الصحابي حجر بن عدي، إثناء الحمأة الطائفية بالعراق، حلبة النزاع، وعدنا إلى حرب الأضرحة وخلافات الأموات. قضية ضريح الصحابي وأحد خلصاء علي بن أبي طالب ليست حكومية؛ إنما تشجب من قنوات مختصة بالأوقاف والآثار، ولا يجوز للوزير أن يعمم عاطفته الشخصية على الوزارة، فهي ليست داره ولا مسجده الخاص. أقول: عندما هُدم ضريح طلحة بن عُبيد الله (قُتل 36 هـ)، هل توقف التعليم أو العمل في وزارات الدول ذات المذاهب السنية؟ هل توقف التدريس في الأزهر مثلاً وهو جهة دينية، احتجاجاً على هدم ضريح حجر بن عدي؟! هذا إذا افترضنا أن طلحة كان سُنياً، فالرأي الجازم أن أولئك في نزاعاتهم لم يكونوا سنَّة ولا شيعة إلا بحدود السياسة، والسنة العراقيون اليوم كان أجدادهم في حزب علي، أليسوا من أهل العراق، فماذا كانوا في ذلك الصراع؟ ضد أهل الشام كافة. كان ذلك الجيل يتقاتل، ويصلي في مسجد واحد ويلبي أذاناً واحداً. فقد تميزت أماكن العبادة والمقابر بعدهم بثلاثة قرون، عندما سكبت النزاعات في قوالب عقائدية بجهود المتكلمين. ابن عدي محل تكريم الجميع، لأنه صحابي، يُذكر أنه دخل الإسلام على يد النبي عندما وفد عليه من اليمن، وشهد فتح الشام والعراق، ومن الأقدار أنه قُتل في مرج عذراء الذي فتحه بنفسه. وكان بصف علي في الجمل (36 هـ) وصفين (ت 37 هـ)، ثم اضطرته سياسة الأمر الواقع لمبايعة معاوية بن أبي سفيان (ت 60 هـ). وإن السيدة عائشة (ت 58 هـ) قد بعثت إلى معاوية بإخلاء سبيله (ابن سعد، الطبقات الكبرى). وذكر أنها قالت له: «أين حلمك عن حجر؟ فقال لها: لم يحضرني رشيد» (الطبري، تاريخ الأمم والملوك). وقيل شهد أبو موسى الأشعري ضده بخلعه بيعة معاوية، لكن هذا لا يصح إذا كانت وفاة الأشعري السنة 44 هـ (الزّركلي، الأعلام) أما إذا كانت 52 هـ فيمكن ذلك. في تراجيديا قتل هذا الصحابي تحضر قصيدة نسبت إلى امرأة أنصارية، علوية على مذهب أهل العراق، وهي ترقب قوده من الكوفة إلى الشام ليلا: «تَرفع أيها القمرُ المنير/تبصر هل ترى حُجراً يَسير/يسيرُ إلى معاوية بن حربٍ/ ليقتله كما زعم الأميرُ» (ابن سعد والطَّبري). يسمّى المكان الذي قُتل فيه حُجْر وأصحابه اليوم بعدرا، وهو بالأصل مرج عذراء أو عذراء، فمعلوم أن الشام كانت على المسيحية في عهد الغساسنة. مع أن ما ورد في «معجم البلدان» للحموي (ت 626 هـ) يفسرها لغوياً لا جغرافياً: «الرَّملة التي لم توطأ»، وهو يحددها بالقرب من الغوطة الشهيرة بخضرتها. تقع على بعد 20 كم عن دمشق. وأشار الحموي إلى وجود منارة وقبر لحُجْر فيها. زاره السيد محسن الأمين عام 1932، وهو عبارة عن «دكة يظلها سقف حجرة صغيرة إلى جنب مسجد» (حرز الدين، مراقد المعارف). بمعنى أنه لم يُشيد خلال حكومة آل الأسد العلويين، إلا أنه في عام 1991 صرف لتجديده تجار إيرانيون. أقول: إذا لم تدخل السياسة والفتنة الطائفية في الأمر فهذه مزارات يأتي منها مورد للدول مما يسمى بالسياحة الدينية. كانت القضية برمتها جزءاً من الماضي الذي نتخاصم لأجله. نعم، تفجير الضريح حماقة و«جهل برأي فيه إفساد»، لكن ما شأن دور العلم بجعلها طرفاً، وحرفها عن مهمتها. بالأمس سمعنا عن اكتشاف ضريح جديد داخل جامعة ديالى، فحسم منها 400 متر مربع لتشييده، قالوا: إنه لحفيد الإمام علي الهادي، للأسف صار الأمر تجارة وسياسة! وبطبيعة الحال من لم يمتثل لقرار الوزير، ومن يعترض على اكتشاف الضريح، سيُحسب ناصبياً وإن كان شيعياً وعمامته سوداء!