حين هوى صنم الأسد الأب في الرقة كبّر الشباب وبكوا. أجمل ما في الثورة السورية هو تحطيم أصنام الخضوع والخوف، من هنا تأتي البشارة بأن سوريا تسير نحو التوحيد. وحتى نعرف الله حق معرفته في حياة الناس، فليجرّب «مجنون» التعرض لرئيس جمهورية ثورية في العالم العربي، ثم يتعرض لذي العزة والجلال، ولير في أي حال تسرع الأيادي إليه تنكيلا وتمثيلا! هذه التجربة يمكن تكرارها بالتعرض نقداً لأليزابيت الثانية في هايدبارك بلندن، أو لأولاند في الشانزيلزيه بباريس. ولم يكن يوسف عليه السلام يمزح مع رفيقه السجين حين قال له، والأخير يتأهب لمغادرة السجن: اذكرني عند «ربك»! فحيث يرتكس الناس بحساسية بالغة تجاه لفظة محددة، نعرف بدقة من هو «الإله» الفعلي في حياتهم. وحيث لا يهتم الناس للأشخاص ويدافعون عن الأفكار، تبدأ رحلة التوحيد. «الوثنية» بذلك المعنى مرض ليس حكراً على شعب دون آخر، بل يستوي فيه العالم العربي مع بورما وكوريا الشمالية، وهي مرض ينتقل عبر العصور وليس هناك حصانة لأي شعب ضده ما لم يتلقح بلقاح التوحيد، أما حين يضرب شعوباً فإنه يذلّها ويفقرها، وإذ تنجو منه شعوب أخرى فإنها ترتفع، مثل ألمانيا الشرقية مع الغربية سابقاً، أو كوريا الشمالية مع الجنوبية حالياً، وكلاهما شعب واحد من رحم ثقافة واحدة. في أوروبا تخلصوا من الأوثان، فهم يتّحدون اليوم بنعمة الديمقراطية إخواناً. وبمقارنة دخل الفرد في كوبا وكوريا الشمالية مع ألمانيا نعرف أثر الوثنية على جيب المواطن في هذه الدول. فحيث يسقط الصنم تبزغ شمس الفكرة وينعم الناس بالرفاهية. ولو وضعنا خريطة خاصة للوثنية والتوحيد فلوّنّا «الوثنية» بالأحمر و«الديمقراطية» بالأخضر، لراعنا توهج الأحمر في عالم العروبة واشتداد الخضرة في الشمال كأنهما «جنتان مدهامتان». والوثنية في أصلها ثقافة، وبقدر ما يتعلم الإنسان يتحرر من الوثنية. وقد جاء الأنبياء يعلمون الناس ويستحيل في حقهم كتمان الحقيقة، وقضية التوحيد في جوهرها سياسية. كانت اليونان تعتقد بعشرات الآلهة في الأولمب بقيادة زيوس، لكنها كانت تمارس الديمقراطية في أثينا. فالعبرة بالتوحيد في حياة الناس وليس فوق الغمام. ومنه خاطب النبي يوسف رفيقه في السجن: «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟». وعندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس للتوحيد، قصد بكلمات واضحة أن لا يتخذوا بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله. وهنا لم تعد المسألة تيولوجية بل سياسية تضرب في حياة المجتمع وتؤثر في رزق أفراده وجماعاته. وبنظرة واحدة إلى معظم العالم العربي، تطالعنا مظاهر الفقر والخوف والذل والفوضى وانعدام النظافة. فحيث تشتد قبضة الديكتاتورية فإنها تصبح الوجه الآخر للوثنية. وحتى يعود الوعي من المنفى، ستظل الجماهير رازحة في وثنية لا تشعر بها. ومن لم يشعر بالمرض لا يذهب للعلاج. جاء مريض مرعوب إلى طبيب فسأله: يا دكتور، افحصني، أرجوك، هل عندي أمل بالحياة؟ هل سأعيش؟ فحصه الطبيب ثم قال: لا تخف سوف تعيش، لكن لا أنصحك بذلك؟