بات من المعتاد أن يسمع المرء من المحللين أن كل ما فعله أوباما هو أنه اتبع السياسات نفسها التي اتبعها سلفه في الحكم. هذا التحليل يتسم ببعض الوجاهة، لكن عند التأمل الدقيق، سوف نجد أن استراتيجية السياسة الخارجية لأوباما ومقاربته العامة، تختلفان اختلافاً كبيراً عن مثيلتيهما لدى بوش الابن. فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، سارع بوش لجعل «الحرب على الإرهاب» في أعلى قائمة أولوياته، حيث نظر لكل شيء تقريباً على أنه مؤامرة على الولايات المتحدة، وقيمها، من جانب المسلمين الراديكاليين، وأرسل الجيش الأميركي لأفغانستان والعراق، وأمر باحتجاز وتعذيب المشتبه في تورطهم في الإرهاب في جوانتانامو. وعلى الرغم من إنكاره أن ذلك ليس موجهاً نحو الإسلام، إلا أنه بدا كذلك بالفعل في نظر الكثيرين. أما أوباما فكانت لديه رؤية مختلفة تماماً، حيث سعى منذ بداية فترة رئاسته للتواصل مع المسلمين من خلال خطابه في القاهرة، وطرق أخرى، ودعا للانخراط مع إيران وسوريا، وتوقف عن استخدام شعار «الحرب العالمية على الإرهاب»، وأعلن في الثالث والعشرين من مايو الحالي رؤيته للإرهاب، وهي رؤية متبصرة وأكثر دقة وتحديداً، تختلف عن رؤية بوش التبسيطية، وما ترتب عليها من تداعيات خطيرة. يعترف أوباما باستمرار بمشكلة الإرهاب وتواصلها، لكنه يميز بين خمسة أنواع من التهديدات الإرهابية التي تترتب على كل منها نتائج مختلفة تماماً على المصالح الأميركية: التهديد الأول هو ذلك الذي تمثله «القاعدة» في أفغانستان وباكستان، والتي يرى أنها تسير على طريق الهزيمة بعد مصرع كبار قادتها وعجزها عن شن أي هجوم على الأراضي الأميركية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001. التهديد الثاني هو ذلك الذي يمثله وجود فروع لتنظيم «القاعدة» في دول معينة، مثل «القاعدة في الجزيرة العربية واليمن»، والذي خرجت منه بعض محاولات الهجوم على الولايات المتحدة. التهديد الثالث هو المنظمات الإرهابية المدعومة من قبل الدول، مثل «حزب الله» المدعوم من قبل إيران. التهديد الرابع تمثله الميليشيات المحلية أو الجماعات المتطرفة العاقدة العزم على الاستيلاء على الأراضي واستخدام الطرق الإرهابية لتحقيق ذلك، والتي لا ترتبط بالضرورة مع «القاعدة»، مثل تلك التي قتلت السفير الأميركي في بنغازي، وتلك الموجودة في مالي والصومال. التهديد الخامس، وهو الذي يمثله الأفراد الذين يتحولون -أو يتم تحويلهم- للتطرف في الولايات المتحدة، سواء من المواطنين الأميركيين أو من المقيمين على الأراضي الأميركية بشكل قانوني، وآخر نموذج لهؤلاء هما الأخوان تسارنييف اللذان نفذا تفجيري ماراثون بوسطن. ويرى أوباما أن هذه التهديدات الخمسة يجب التعامل معها بوسائل تختلف حسب الظروف، ويركز على أن الولايات المتحدة يجب ألا تعمل بشكل منفرد في جميع الحالات، بل تسعى للتعاون مع شركاء يشتركون معها في المصلحة في العمل ضد تلك التهديدات. ويشمل ذلك مساعدة الحكومات التي توجد تلك التهديدات في منطقتها، مثل الحكومة اليمنية، وذلك لمواجهة «القاعدة في الجزيرة العربية». وبالنسبة للمنظمات المدعومة من قبل الدول والميليشيات المحلية يتطلب ذلك التعاون مع الحكومات المحلية، والأطراف الخارجية التي تفكر بطريقة مماثلة وتتبنى مقاربات مشابهة لمعالجة المشكلة مثل الولايات المتحدة. وبالنسبة للأفراد المتطرفين داخل الولايات المتحدة يشمل ذلك التعاون مع الجالية الإسلامية وقادتها، والاعتراف في نفس الوقت بأن المسلمين الأميركيين مواطنون مخلصون، يتعاونون مع سلطات إنفاذ القانون، لأنهم هم أيضاً يريدون الوقاية من المتطرفين والحيلولة بينهم وبين إيذاء المواطنين الأبرياء. وعلى النقيض من بوش، يسعى أوباما إلى الحد من استخدام القوة في التعامل مع الإرهاب. ففي خطابه يوم الثالث والعشرين من مايو الجاري دعا الكونجرس لمراجعة أو إلغاء قانون «التفويض باستخدام القوة» الذي وافق عليه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، وترتب عليه منح رئيس الولايات المتحدة صلاحيات شاملة لاستخدام القوة ضد الإرهابيين. ويتضح من خطاب أوباما ومن مقارباته لموضوع الإرهاب منذ أن تولى الحكم، أنه لا يحبذ استخدام القوة إلا كخيار أخير، وإن كان يؤكد في الوقت نفسه أن ذلك لا يعني استبعاد المبدأ تماماً، وإنما استخدامها بأسلوب أكثر تبصراً ورشداً وتحكماً من أسلوب إدارة بوش. ومن الأمثلة الواضحة في دلالتها على هذا الأسلوب مقاربته حول مواجهة الإرهاب في الهند وباكستان. فهناك، سيكون من الغباء، كما يقول، ألا يتم عمل شيء لمواجهة تهديد الإرهاب لأن ذلك لن يترتب عليه سوى شن المزيد من الهجمات. وعلى النقيض من عدم عمل شيء، هناك خيار القيام بتدخلات عسكرية واسعة النطاق من خلال وضع جنود على الأرض، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من خسائر فادحة في صفوف المدنيين وزيادة الغضب الشعبي ضد الولايات المتحدة. الخيار الثالث الأكثر قبولا هو توجيه ضربات مخططة ضد إرهابيين محددين بواسطة الطائرات من دون طيار، والتي يرى الرئيس أنها تؤدي لتقليل الخسائر غير المقصودة في صفوف المدنيين. يتسم أوباما بالحساسية حيال ردود الفعل السلبية من قبل الشعوب الأجنبية، عندما يرسل الجنود الأميركيين إلى بلدان أخرى، أو يستخدم الطائرات من دون طيار، لأن ما يحدث في غالبية الأحيان أن المدنيين كثيراً ما يكونون هم الأكثر تعرضاً للضرر. وذلك هو سبب تفضيله للدبلوماسية على نشر جنود على الأرض، واعتماده على تقديم المساعدات الاقتصادية والشراكة مع الحكومات الأجنبية الأخرى، في التعامل مع الهم المشترك المتعلق بالإرهاب. وفي هذه النقطة أيضاً يختلف أوباما عن بوش. ______ ويليام رو دبلوماسي أميركي متقاعد متخصص بالشؤون العربية