بعد مرور ستة أشهر على نجاحه اللافت في تأمين إعادة انتخابه لولاية ثانية، يواجه أوباما مشكلة، فبعد أن تعرضت إدارته لعدد من أشباه الفضائح، وواجهت سيلاً من تحديات السياسة الخارجية، يجد الرئيس نفسه الآن غير قادر على تدبير أمور منصبه. لقد ولت أيام تلك الآمال والطموحات التي عبر عنها في أرض المتنزه الوطني «ناشيونال مول» في ذلك اليوم التاريخي من شهر يناير 2008 الذي أمل فيه مؤيدوه -وخاف كارهوه- أن يصبح بالفعل رئيساً قادراً على تحويل مجرى التاريخ الأميركي، وتبين للأميركيين الآن أن استعادة اقتناعهم بمؤسسات بلادهم والتسامي فوق أحقادهم الحزبية في السنوات الأخيرة لم يكن بالأمر السهل في الفعل مثلما كان في القول. ولطالما توقع الأميركيون أكثر من اللازم بكثير عندما يتعلق الأمر بأداء رؤسائهم. فعلى رغم الإحباطات التي واجهوها عبر تاريخهم، إلا أنهم لم يتعلموا، ولم يتوقفوا عن انتظار ذلك الرئيس الشجاع، الفاضل، صاحب المبادئ غير المعهودة، والحنكة السياسية غير المألوفة. وعلى رغم تجربتنا الحالية مع أوباما، فإنني أؤكد لكم أنه في بحر عام، أو عامين، ستخرج لنا «آلة إدمان الرؤساء» -إدماننا نحن بالطبع- بحزمة جديدة من الصور والعبارات المجازية المكرسة لإقناعنا باختيار رئيس مفترض لإنقاذنا، كي يخذلنا هو أيضاً كما خذلنا من قبله. والسؤال الآن: ما هو العنصر الجيني «دي. إن. آيه» الذي جعلنا كذلك؟ لماذا لا تكون لدينا توقعات واقعية ومعقولة من رؤسائنا؟ هناك خمسة أسباب تجعل رؤساءنا يخدعوننا على نحو دائم تقريباً: 1- المنصب نفسه يمثل أكبر عقبة أمام نجاح الرئيس. والسبب أن التحديات التي تواجه الرؤساء تفوق بكثير السلطات الممنوحة لهم. فالآباء المؤسسون لم يكونوا يريدون رئاسة ضعيفة من ناحية، ولكنهم كانوا مصممين مع ذلك على إيجاد توازن بين وضع صلاحيات أكثر مما ينبغي في يدي أي رئيس شعبي وطموح بما يؤدي لتقويض جمهوريتهم الوليدة في ذلك الوقت، أو وضع صلاحيات أقل مما ينبغي وهو ما كان سيؤدي أيضاً إلى النتيجة نفسها. 2- توقعاتنا غير العملية: الفجوة بين التوقعات وبين الواقع كانت موجودة دوماً منذ أن بدأ السياسيون في إلقاء الخطب وتقديم الوعود أثناء حملاتهم الانتخابية. وعندما ازداد دور الحكومة في حياتنا ازدادت تلك الفجوة اتساعاً حيث ازداد حجم توقعاتنا من الحكومة على رغم شكوانا طوال الوقت من كبر حجمها وتدخلها في كثير من مناحي حياتنا. 3- الرئاسة لم تعد شيئاً بعيداً عنا بل باتت مسألة تكاد تكون شخصية: قد نتظاهر جميعاً بأننا غير مبالين بأمور رؤسائنا. ولكن لا تصدقوا ذلك. فالطبيعة الخاصة لسياستنا ووسائل إعلامنا الأميركية تجبرنا على الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تدور في البيت الأبيض. وكل ذلك خلق صورة مضخمة أو أكبر من اللازم عن الرئيس، حيث تسعى الإدارة ووسائل الإعلام وهوليوود إلى جعل الجميع يقتنعون بأن هناك رجلاً واحداً -هو الرئيس- يدير كل شيء، وهو أمر ليس حقيقياً بالطبع. ونتيجة لهذا الاقتناع يزداد حجم التوقعات، ولكن عندما يواجه الرئيس المشكلات ولا تتوافر له وسائل حلها يكون مصيره الإخفاق، ومن ثم يصاب الجمهور بالإحباط. 4- المنصب ببساطة أضخم مما يجب: إن الطبيعة المستمرة التي لا تكاد تتوقف لأنشطة ومهام الرئيس، ومراقبة وسائل الإعلام له على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، ودرجة تعقد المشكلات الملقاة على كاهله تخلق في مجملها أوضاعاً لا يستطيع شخص واحد علاجها وتدبيرها. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الكونجرس المستقطب، والعالم المتداخل مع بعضه بعضاً الذي لا تستطيع أميركا السيطرة عليه، فإننا سنتوصل حتماً إلى نتيجة مؤداها أن النجاح في الوفاء بتوقعات الجمهور يكاد يكون أمراً مستحيلاً، بل وربما غير معقول من الأساس. 5- بحثنا المراوغ عن الأبطال، إذ لدينا نحن الأميركيين جميعاً ذلك الوهم عن أنفسنا، إلى درجة أننا نفضل الرئيس المتواضع، القريب، الذي يسهل الوصول إليه على الرئيس العظيم والمتنائي. والوضع مختلف مع الأوروبيين فهم يفضلون الحاكم العظيم مثل بطرس الأكبر، وكاثرين العظيمة، وشارلمان الكبير. فهل وصلتكم الفكرة؟ أما الأميركيون فهم ببساطة يفضلون القادة الذين يستطيعون التواصل معهم، والارتباط بهم، ولذلك نراهم يعجبون بالروايات والحكايات التي تدل على بساطة الرئيس مثل قيام توماس جيفرسون بفتح باب البيت الأبيض بنفسه، أو قيام هاري ترومان بقيادة السيارة بنفسه بعد أن ترك منصبه. وعلى رغم أننا نحب البساطة في رؤسائنا، فإننا نسعى أيضاً للرؤساء الأبطال وهو مزيج ليس من السهل تحقيقه. وبعد أن بينا الأسباب التي تجعل توقعاتنا من الرؤساء تخيب، فما الذي يتعين علينا عمله للتغلب على هذه الحالة؟ مطلوب منا ببساطة أن نتجاوزها، وأن نخفض من مستوى توقعاتنا، على ألا نتوقف في الآن ذاته عن البحث عن الرؤساء المتميزين. وعلينا ألا ننتظر حتى يأتي رئيس ويحل لنا كل مشكلاتنا. فليست هذه هي الطريقة الأميركية في الحياة. وربما من خلال التحكم في أهواء رؤسائنا نستطيع أن نتوقف عما اعتدناه حين نتوقع منهم أن يكونوا عظماء، ونسمح لهم بدلاً من ذلك بالبدء في العمل على أن يكونوا جيدين فحسب. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»