عندما كنت طالباً بجامعة كامبريدج، انخرطْتُ بشكل كامل في تشجيع الحوار والتفاهم بين الغرب والعالم المسلم. قابلْتُ عقولاً كبيرة في البيت الأبيض و«البنتاجون» ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وتحدثْتُ مع حاخامات وقساوسة وأئمة، لأجد أنه رغم ساعات طويلة قضيتها كسفير نوايا حسنة بين الحضارات، ما زال هناك سوء فهم مستمر بين المسلمين والغرب، ويظهر على شكل عروض مأساوية من العنف. ويخلط أسلوب التفكير ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الدين مع الثقافة في العالم المسلم، ويصفها بأنها خطيرة، ويحوّل تنوّع الإسلام وتعدد مظاهره إلى وحدة واحدة يضعها في موقع معادٍ أمام الغرب المتعولم، الذي يُنظر إليه على أنه معاصر وفاسد وعلماني. وجهات النظر هذه معيبة بشكل متأصل واختزالية بشكل مثير للقلق. وكجسر بين الحضارات ووجهات النظر العالمية والديانات، فإن العلاقات بين المسلمين والغرب، التي تسعى إلى فض وكشف رموز كل ثقافة للآخرين، لديها الكثير لتقدمه. وفي الحقيقة، فإن أي إنسان يتساءل حول ما إذا كان لمجال العلاقات بين المسلمين والغرب صلة في زمننا هذا، ما عليه إلا أن يلقي نظرة على الأحداث الحالية المؤسفة في الأخبار الأميركية والعالمية. جرى في الولايات المتحدة توجيه الخوف والغضب الثأري من مأساة ماراثون بوسطن نحو مسلمين أبرياء من قبل إخوانهم الأميركيين، الذين أصيبوا بالارتباك والغضب نتيجة الموت والدمار اللذين استهدفا العدائين وجمهور المشاهدين. أخطأ البعض في الحسابات، ووضعوا جميع المسلمين في مجموعة واحدة تشكل تهديداً لهم. لقد رأينا حتى أعمال عنف لا عقلانية توجه ضد السيخ، الذين يشكلون صورة نمطية عن المسلمين رغم أنها غير دقيقة، مفادها أن جميع المسلمين ملتحين ويلبسون عمامة على رؤوسهم. يدفع الجهل الأفراد ليهاجموا بعضهم ويرتكبوا أعمال العداء والعنف. هناك فجوة بين المسلمين والغرب، وقد ظهرت واضحة وبشكل مثير للصدمة في دراسة قام بها مركز «بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية»، التابع لجامعة «جورجتاون» في أبريل 2012. أجاب 47 في المئة من الفئة العمرية التي تمتد من 18 إلى 24 سنة، وقد سئلوا ما إذا كان الإسلام يتعارض مع القيم الأميركية، وأجابوا بنعم. بالمثل وجد استطلاع أجراه معهد «بحوث الديانة العامة» عام 2013 حول الدين والقيم وإصلاح عملية الهجرة أن 47 في المئة من الناس طرحت عليهم الأسئلة نفسها أن قيم الإسلام تتعارض مع أسلوب الحياة الأميركية. تصبح ضرورة التفاهم بين الديانات، في ضوء هذه النتائج أكثر إلحاحاً. فمن الصعب جداً كره، أو حتى مجرد النفور من شخص ما بناءً على معتقدات دينية غريبة عنك. وأظهر أصدقائي، في الكاتدرائية الوطنية في واشنطن العاصمة دعماً مثيراً للإعجاب لحوار الديانات من خلال محاولات مثل «منتدى الأحد»، حيث يأتي مفكرون من كافة الديانات إلى الكاتدرائية لاستكشاف جذور التسامح الديني وبناء مستقبل تعددي لأطفالنا ورعاية التفاهم بين كافة الطوائف الدينية. وفي الوقت الذي يتحوّل فيه الأفراد الذين يعانون من الرهاب الإسلامي إلى الدين ليثبتوا أن الإسلام والقيم الغربية مصيرها وبشكل قاطع التصادم، فأنني أتحداهم أن ينظروا إلى ما وراء فتات المعلومات التي يجمعونها ليبحثوا وبشكل تفصيلي في كامل النسيج المتنوع الذي يشكل الإسلام، وهو دين يدل اسمه على السلام. وأذكّرهم أنه تماماً مثلما لا يمثل المسيحية ما فعله تيموثي ماكفي، ولا يمثّل الإسلام ما فعله تامرلين تسارناييف. -------- أكبر أحمد، عالِم بموقع ابن خلدون للدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة -------- ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية