تعتمد حياتنا اليوم وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتقنية أنظمة الإنترنت وتشغيل العديد من المرافق والمؤسسات الحيوية الحكومية وغير الحكومية عن طريق أنظمة مرتبطة بصورة أو بأخرى بالإنترنت وما يقارب نحو 2,433,376,688 ( قرابة ملياري ونصف مليار) مستخدم للإنترنت في سنة 2012 حسب إحصائيات موقع (Internetworldstats)، بالإضافة إلى إحصائيات المركز الصيني لمعلومات شبكات الإنترنت (CNNIC). والسؤال هنا يتعلق بمدى الاستعداد لصد وامتصاص والتعافي من أي هجمة افتراضية يتردد في كل دول العالم بغض النظر عن مدى تقدم تلك الدول في منظومة تأمين شبكات الإنترنت، وأمن الفضاء الإلكتروني. ولا أعتقد أن كل الدراسات والتقارير والآراء في ما يخص التكهن بأن الحرب العالمية القادمة ستكون حرب المياه، أو الصراع على مصادر الطاقة، أو حرب عولمة لفرض الهيمنة الاقتصادية بالوسائل القتالية المتطورة أو صراع نووي قد تكون صائبة، وذلك لسبب بسيط، ألا وهو الوتيرة التي تتغير فيها معطيات حياة البشر، وارتباطها المباشر بالتكنولوجيا الحيوية الذكية وتقنية «النانو» تكنولوجي، والتناغم مع التكنولوجيا الرقمية و«السايبرانية»، والتي تكاد أن تكون عالماً خاصاً نعيشه وسط عالمنا التقليدي. فتكنولوجيا المعلومات ستكون من دون شك عصب حروب المستقبل، وستبرز ظاهرة الجريمة والإرهاب «السيبراني» كبديل طبيعي للجريمة التقليدية والإرهاب، كما نعرفه اليوم. والعمل جار لتطوير أسلحة فائقة تسمح بالتجسس الإلكتروني بهدوء ومهاجمة الأشياء، التي لا نتخيل في وقتنا الحاضر أنها ستهاجم، ففيروسات الكمبيوتر المستقبلية وقدرتها على التخفي ستكون أقرب إلى الخيال العلمي. وما نحن فيه الآن ما هو سوى مجرد بداية، وأن معظم أنواع البرمجيات الخبيثة «فيروسات الكمبيوتر»، تملك بعضاً من خصائص الفيروسات البيولوجية. فتلك الفيروسات ليست على قيد الحياة تماماً، لكنها يمكن أن تنجب وتتكاثر ذاتياً وتتمحور وتموت... وهذا هو سباق التسلح عن بعد، والذي لا يخضع للمنطق والحواجز، ومعطيات هذه الحرب «السايبرانية» الباردة، هي البوادر الأولية للحرب العالمية الأولى للفضاء الإلكتروني. خلفية الحرب الإلكترونية والهجمات «السيبرانية» أصبحت على نحو متزايد شكلا من أشكال الحرب في أوائل القرن الحادي والعشرين. ولعبت روسيا دوراً رائداً في أول هجوم إلكتروني على نطاق واسع على عضو في حلف شمال الأطلسي وبالتحديد في ربيع عام 2007، حيث تم تعطيل أجهزة الكمبيوتر الحكومية في دولة أستونيا بعد هجوم متواصل في أعقاب خلاف نشب بين الحكومتين، فتعرضت الشبكة الحكومية الأستونية لهجوم واسع، تم خلاله تعطيل أنظمة الخدمة الموزعة (دوس)، وهجمات طالت البنية التحتية التي غمرت أجهزة الكمبيوتر والخوادم. وبما أن أستونيا كانت ولا تزال لديها اعتماد كبير على تكنولوجيا المعلومات، فقد كان للهجوم عواقب وخيمة جداً وخاصة على البنوك والمطارات، وهي عواقب مماثلة في الواقع لضربة صاروخية شاملة، وكان درساً قاسياً لأستونيا، وحلف شمال الأطلسي أدى إلى تطوير طلائع الحرب الإلكترونية ودليل «الناتو» الإرشادي في الحرب «السايبراية». وبالمثل كانت حرب روسيا الإلكترونية عن بعد على دولة جورجيا، فكانت الضربة الأولى في أغسطس 2008، وحجبت الخدمة وعلقت الخدمات المتصلة بشبكة الإنترنت، بما في ذلك خوادم الشبكة رفيعة المستوى في مؤسسات مثل البنوك وشركات بطاقات الائتمان مع عرقلة وسائل الاتصال بين المستخدمين المستهدفين والضحايا الإلكترونيين، بحيث لم يعد التواصل على نحو كاف ومقبول واللجوء للقطاع الخاص حيث استضافت «توليب»، وهي شركة لخدمات الإنترنت في الولايات المتحدة بعض مواقع الوكالات الحكومية الجورجية خلال فترة النزاع، ما جعل جورجيا في ما بعد تطور نظاماً مبتكراً ومتقدماً للإنذار المبكر لرصد الفضاء الإلكتروني، وإعادة هندسة شبكة الإنترنت ومراجعة سياسة الفضاء الإلكتروني لتكون جزءاً من الأمن «السيبراني» الوطني الشامل. سلاح عالم السايبر (cyberweapons )، أو الفضاء الإلكتروني وعسكرة الإنترنت، هو جزء لا يتجزأ من ترسانة أي دولة أو جيش حديث يريد أن يمتلك أهم أسلحة المستقبل، وذلك على خلفية قرار الهجوم الإلكتروني بفيروس (ستاكسنت) على برنامج إيران النووي في عام 2010 حتى أصبح الإنفاق العسكري الأميركي على الأمن الإلكتروني أولوية أولى للحكومة الأميركية، وتضاعف ذلك الإنفاق بمقدار 5 مرات في فترة وجيزة جداً نظراً لأهمية هذا القطاع الحيوي للأمن القومي الأميركي، ففي عام 2003 عرض رامسفيلد على البنتاجون تقريراً سرياً بعنوان «عمليات المعلومات (IO) خريطة الطريق»، والذي وضعت الأساس لهذه التوسعة في الحرب الإلكترونية الجديدة، وكان الهدف في «البنتاجون» تحويل عمليات المعلومات إلى الكفاءة العسكرية الأساسية في الجيش الأميركي، وذلك على قدم المساواة مع القوات الجوية والبرية والبحرية والعمليات الخاصة وضمان السيطرة العسكرية على الاتصالات القائمة على الإنترنت وجعل المعارك المرتكزة على المعلومات عامل الهيمنة الرئيسي، ليس فقط في زمن الحرب، ولكن أيضاً في زمن السلم، كما أكد تقرير «بي. بي. سي» عام 2006 بشأن وثيقة «البنتاجون»، وتوفير أقصى قدر من السيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي ككل، لجعل الجيش الأميركي يملك القدرة على ضرب كل هاتف، وكل كمبيوتر متصل بالشبكة، وكل نظام رادار على هذا الكوكب. ولا غرابة بأن تشن الولايات المتحدة الأميركية حرباً إلكترونية على نطاق واسع ضد إيران وروسيا والصين والعكس صحيح، ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة وروسيا والصين في سباق لبناء مستودع الأسلحة الأكثر شراسة من فيروسات الكمبيوتر والديدان الإلكترونية، وأحصنة طروادة وغيرها من الأدوات من أجل الانخراط في الحرب الإلكترونية بين أنفسهم والأمم الأقل نمواً وأصبح تجسس الفضاء الإلكتروني والقرصنة الإلكترونية قضية حوار دائم بين الحكومة الصينية والأميركية. وها هي الصين على نطاق واسع تستخدم قدرة استغلال شبكة الحاسب الآلي لديها لدعم جمع المعلومات الاستخبارية ضد قطاعات القواعد البيانية الصناعية والدبلوماسية والاقتصادية، ومما جعل وزارة الدفاع الأميركية في تقرير لها في عام 2012، تعلن بأن الهجمات الصينية وصلت للعديد من أنظمة الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بعض الأجهزة والنظم التي تملكها الحكومة الأميركية، وتشكل القرصنة الصينية تحدياً كبيراً للعلاقات الثنائية بين البلدين. وأصبحت الاختراقات الإلكترونية الصينية على نطاق غير مسبوق، مما دعا الولايات المتحدة لدعوة الصين للمشاركة في حوار مباشر لوضع قواعد سلوكية مقبولة للتعامل مع منظومة الفضاء الإلكتروني والقوة الإلكترونية. ويرى المراقبون أن الهجمات «السيبرانية» الصينية موجهة نحو اكتساب التكنولوجيا والمعلومات التجارية وجمع البيانات، وبالمقابل يسجل الدب الروسي تقدماً ملحوظاً من الناحية التقنية، تفوق القدرات الصينية والهندية وبجودة منافسة لأميركا. وفي الشرق الأوسط لا شك أن إسرائيل وإيران تمتلكان إمكانيات متقدمة، وستلعب إسرائيل دوراً محورياً في صناعة ومعارك حروب الفضاء الإلكتروني. أما إيران بالذات، فهي تطور قدرة خطيرة من شأنها أن تمثل قوة هائلة في مواجهة الدول المتقدمة، وفي الوطن العربي نقول لهم إن الحرب الإلكترونية لا تتطلب سوى أشخاص معدودين من المتسللين باستخدام أجهزة الكمبيوتر المحمول القياسية، والتي من الممكن أن تتسبب في خسارة كبيرة في الأرواح والمليارات من الدولارات والأضرار المادية والبيئية الجسيمة، فما مدى جاهزية الدول العربية لحروب المستقبل؟