الحقيقة أن مشاركة رفسنجاني حدث يمكن أن يُؤرِخ لمتغيرات الخريطة السياسية الإيرانية التي انبثقت مع الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، ما قبل وبعد قراره المشاركة في الانتخابات. ويعود رفض أهليته لاحقاً من قبل مجلس صيانة الدستور ليلعب من جديد دوره كذلك في غربلة الخريطة السياسية للانتخابات الرئاسية الحادية عشرة. وقد أثرنا -في المقال السابق- العوامل التي تجعل للانتخابات الرئاسية الإيرانية خصوصية تميزها عن مثيلاتها. وكانت تلك العوامل على النحو التالي: العلاقة مع المرشد والمؤسسة الدينية، والبازار، والحرس الثوري، وثقل الشخصية المترشحة للانتخابات الرئاسية، والتيار المنتمي إليه المترشح، وأخيراً العامل الخارجي. وقبل الخوض في غمار إسقاط تلك العوامل على المترشحين، هناك حدثان مهمان يتعيّن علينا استعراضهما ومعرفة تأثيرهما على سير الانتخابات وهما دخول رفسنجاني سباق الانتخابات وأثر ذلك على الخريطة السياسية التي انبثقت مع الاستعداد للانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، ونتائج بحث أهلية المترشحين من قبل مجلس صيانة الدستور وانعكاس ذلك على الانتخابات. فقبل قرار رفسنجاني المشاركة كانت الخريطة السياسية للانتخابات تسير على النحو التالي: الإصلاحيون، أصحاب قاعدة شعبية محبطة تعشش روح اللامبالاة واليأس فيها. رموزها رهن الإقامة الجبرية (موسوي، كروبي)، والشخصية القادرة على توحيد صف هذا التيار لا تزال مترددة كعادتها (خاتمي). وشخصيات إصلاحية تتقدم لحمل راية هذا التيار. إنها أضعف من حمل رايته مثل نائب الرئيس السابق محمد رضا عارف ومصطفى كواكبيان. ويتطلع خاتمي لأن يتقدم رفسنجاني ويبادر. لماذا على رجل بلغ الثمانين الترشح للانتخابات؟ إنها إجابة في شكل تساؤل تأتي من رفسنجاني. هل فُقِد الأمل إذن؟. يأتي بعدها حسن روحاني كبير مفاوضي الملف النووي الإيراني السابق ليقدم نفسه كمستقل. يلتفت هؤلاء للقاعدة الشعبية الداعمة لهذا التيار. ليس هناك ما يثيرها. فهذه الشخصيات لا تزال أقل من أن توحدهم. وتمر أيام فترة التسجيل التي بدأت في السابع من مايو والوضع كما هو عليه. الأصوليون. التيار الإصلاحي عاجز عن شحذ همم قاعدته الشعبية وتشكيل قوة من شأنها تهديد الأصوليين. فلا ضير إذن في تعدد المترشحين داخل هذا التيار. يُعلَن عن تشكيل التكتل الثلاثي أو 2+1، و يقوم ثلاثي هذا التكتل بتسجيل أسمائهم كمترشحين على أن يتنازل اثنان للآخر بعد نتائج قبول أو رفض أهلية المترشحين. إنهم علي ولايتي مستشار المرشد للشؤون الدولية، ومحمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران، وحداد عادل رئيس البرلمان سابقاً. والتكتل الخماسي أو تكتل 2+3 يختار حسن أبو ترابي فرد، ليكون مرشحه من بين كل من (محمد رضا باهنر، منوجهر متكي، يحيى آل إسحاق، مصطفى بور محمدي). وفي خطوة غير محسوبة يتقدم منوجهر متكي على رغم ذلك ويقوم بتسجيل اسمه. هل هو تمرد على التحالف أم أنه البديل الذي يمكن الدفع به في حال تطلب الأمر ذلك؟ جبهة الثبات، تختار أمينها العام لنكراني مرشحاً لها وتنأى بنفسها عما يطلق عليه التيار المنحرف. محسن رضائي يسجل اسمه على رغم النتيجة الباهتة التي حققها في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009. تيار الحكومة. تتقدم شخصيات مقربة من نجاد لخوض الانتخابات مثل محمد رضا رحيمي وعلي أكبر جوان فكر. إنه يوم السبت الموافق 11-5، اليوم الأخير لتسجيل المترشحين. المشهد السياسي والخريطة السياسية لا زالت كما هي عليه. ستدور رحى المنافسة إذن داخل التيار الأصولي. بقيت ساعة بل هي أقرب للدقائق وتنتهي فترة تسجيل المترشحين. حركة غير طبيعية في مقر وزارة الداخلية. لماذا كل هذه الجلبة؟ إنه رفسنجاني يتقدم لتسجيل اسمه لتبدأ ملامح الخريطة السياسية لهذه الانتخابات في التحول. تدب الحياة في التيار الإصلاحي. تتوالى البيانات من هذا التيار المؤيدة لرفسنجاني. ينسحب عدد من المترشحين لصالح رفسنجاني. حسن روحاني يعلن أنه لن يقف في وجه رفسنجاني، ومحمد رضا عارف يقول إنه سينسحب لصالح رفسنجاني بعد إعلان نتائج أهلية المترشحين. تستمر الجلبة والضجيج. ماذا هنالك؟ إنه مشائي وبرفقته أحمدي نجاد. ها هو ما يطلق عليه زعيم تيار الانحراف في أدبيات التيار الأصولي قد دخل على خط المنافسة. وقبل تلك الجلبة يأتي سعيد جليلي بهدوء ويقوم بتسجيل اسمه. يعلن لنكراني انسحابه لتقف جبهة الثبات خلف جليلي وهو ما فعله أيضاً مهمانبرست وداود أحمدي نجاد شقيق الرئيس. حسن أبو ترابي فرد يعلن انسحابه، وبذلك لم يعد للائتلاف الخماسي (2+3) مرشح ليذهب دعم هذا الائتلاف إما لجليلي أو الائتلاف الثلاثي. علي ولايتي يقول إنه سيصبح للأصوليين مرشح واحد فقط. الخطر الخارجي (رفسنجاني) إذن يوحد الجبهة الداخلية للأصوليين. إنه مساء الثلاثاء 21-5، الخبر ينزل كالصاعقة على رؤوس الإصلاحيين. من أعاد الأمل في نفوسهم أصبح في عداد المرفوضة أهليتهم. رفسنجاني خارج السباق الرئاسي. الأمل المتبقي محمد رضا عارف وحسن روحاني. أسماء لا تثير اهتمام القاعدة الشعبية. أهي عائدةٌ إلى حالة اللامبالاة من جديد؟ مشائي هو أيضاً خارج السباق الرئاسي، ما الذي يمكن أن يفعله أحمدي نجاد؟ هل ستكون له ردة فعل؟ ألم يرِدُ إلى مسامعه ما قاله المرشد إن رأي مجلس صيانة الدستور هو فصل الخطاب؟ ألا يعلم أن الإعلان بشجاعة عن عدم أهلية شخص لخوض الانتخابات الرئاسية هو أكثر أجراً من مستحبات وعبادات شهر رجب كما يقول محمد يزدي عضو مجلس الخبراء. ولذا إما القبول والتسليم، وإما محرقة سياسية في انتظار نجاد الذي سيعتبر كما يرى الخميني مفسداً في الأرض في حال اعتراضه؟ يتنفس الأصوليون الصعداء فالخطر المحدق ها هو قد زال. فيما التوحد إذن طالما أن المنافسة ستنحصر داخل التيار الأصولي. علي ولايتي، سعيد جليلي، محمد باقر قاليباف، حداد عادل، محسن رضائي. هي إذن الشخصيات التي ستمثل هذا التيار. من هي هذه الشخصيات؟ وكيف هي حظوظها بعد عرضها على العوامل التي أشرنا إليها سابقاً؟. هذا هو موضوع المقال القادم، إن شاء الله. د. سلطان محمد النعيمي أكاديمي إماراتي dr-alnuaimi@hotmail.com