من غير الممكن أن تظل أحلامنا عالقة بأهداب عيوننا طوال العمر، كل حلم يستحوذ على اهتمامنا طالما بقي مختبئاً في غياهب المجهول، لكن ما أن يهبط على أرض الواقع حتّى ننبش في تربة حياتنا عن حلم جديد نحيا من أجله. هذه هي طبيعة البشرية التي جبلت على التعلّق بالمستحيل، طالما لا تطوله الأيدي ولا تتذوقه الألسن! الإعلامية الشهيرة (أوبرا وينفري) تُنسب لها عبارة جميلة: «أكبر مغامرة يمكنك أن تمر بها، هي أن تحيا الحياة التي تحلم بها». فمن المعروف أن هذه المرأة التي عاشت حياة بائسة في صغرها، وكان كل أملها أن تُصبح غنية ومشهورة، وقد نجحت بإرادتها وصمودها في أن تُحقق الاثنتين، فأصبحت اليوم قدوة رائعة للإعلاميين الشباب الذين ما زالوا يتلمسون طريق مستقبلهم المهني. لستُ هنا في معرض الحديث عن أوبرا التي أوقفت برنامجها الشهير بمحض إرادتها وهي في أوج نجاحها، ولكنّي أرغب في التحدّث عن دور المشاهير الذين وصلوا إلى شاطئ الأمان وحققوا كل ما يتطلعون إليه، لكنهم لم يفقدوا حماسهم في الوقوف بجانب الشباب الواعد الذي يحتاج لمشورتهم ودعمهم. وما زالت «وينفري» لحد الآن تُساهم في الكثير من المشاريع الاجتماعية بالدول الأفريقيّة الفقيرة التي تعود أصول أجدادها إليها، إضافة إلى تمويلها عدد من البرامج التلفزيونية الشبابية داخل أميركا. المذيعة الأميركية الشهيرة (باربارا ولترز) البالغة من العمر 83 عاماً، أعلنت مؤخراً بأنها ستتقاعد عن تقديم برنامجها الحواري (The View)، الذي يحظى بجماهيرية عالمية مع نهاية عام 2014، وهي بهذا القرار تكون قد حذت حذو زميلتها «أوبرا وينفري». ويُحسب لمسيرة «باربارا» أنها أول امرأة استضافت ببرنامجها عدداً من الزعماء العرب، وقد كان من بينهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات وصدام حسين. المذيعة اللامعة «باربارا» قالت بأن برنامجها لن يتوقّف نهائيّاً بعد مغادرتها دائرة الضوء، بل ستتركه لإعلاميين شباب كي يكملوا الطريق الذي بدأته ولكن برؤاهم الخاصة. هذا القرار الشجاع لامرأتين تعودتا على ضجيج الشهرة والأضواء، لم يثنيهما عن اتخاذ هذا القرار الصعب! لكن ما لفت انتباهي حرصهما على دعم الإعلاميين الشباب ممن يتحينون فرصة ذهبية لإثبات قدراتهم المهنية. الملاحظ أن دعم الإعلاميين الكبار للشباب الواعد، ليس له أرض خصبة في مجتمعاتنا، ونجد للأسف أن المناخ العام لم يزل يشوبه الحذر من جموح الشباب، ولا يخفي البعض رغبتهم المكشوفة في إقصائهم، والنظر إليهم بفوقية، بل ومحاربتهم إن شعر أحدهم بأن بساط المجد سيُسحب من تحت قدميه! مؤكد أن الإنسان الناجح حياته بحر من العطاء والمثابرة والإخلاص، وما دام يشعر بأنه قادر على الاستمرار، فهذا ليس عيباً، لكن لا يجب أن يكون هذا على حساب نهب مواقع الشباب أو الوقوف في الجانب المعاكس لهم! يجب أن يعلم كل فرد وصل للقمة، أن لا أحد يملك القدرة على سرقة تاريخه المشرق ولا مجده الذي بناه على مدى سنوات طويلة. أنظر حولك! ستجد أن بلداننا العربية في مختلف المجالات تمنح المناصب المهمة لكبار السن إلا في حالات نادرة تدعو لأن نفتخر بها ونُصفّق لها طويلاً. إن ثقافة الأنا لم تزل تُسيطر على ذهنية مجتمعاتنا، وكلما وصل الإنسان إلى الأعلى، غدا أكثر شراسة في التمسّك بموقعه، كأن تحقيق الحلم وبلوغ الأماني ليس كافياً، بل لا بد أن تظل القمّة محجوزة له إلى أبد الآبدين. أعطوا الفرصة للشباب، مدّوا لهم أيديكم، وهذا لن ينتقص من قدركم، فالنجاحات محفورة على جباه أصحابها.