حقق نواز شريف زعيم حزب «الرابطة الإسلامية»، الذي سبق له أن تولى منصب رئاسة الوزراء لفترتين متتاليتين، عودة قوية إلى الحياة السياسية بعدما فاز بأغلب مقاعد البرلمان الباكستاني في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وذلك بعد مرور 14 سنة على الإطاحة به في انقلاب عسكري قام به رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الجنرال برويز مشرف. واليوم وبعد الفوز الساحق في الانتخابات البرلمانية، يبدو نواز شريف مصمماً على بدء ولاية أخرى في السلطة كرئيس وزراء باكستان وتدشين مرحلة جديدة وصعبة في الآن معاً.. كما كشفت الانتخابات أيضاً تراجع «حزب الشعب»، الذي يقوده الرئيس آصف زرداري الذي احتل المرتبة الثانية فيما جاء ثالثاً حزب «حركة الإنصاف» بزعامة لاعب الكريكيت الذي تحول إلى سياسي، عمران خان، هذا الأخير وإنْ كانت التوقعات في البداية أعطته السبق على خصومه، بل تنبأت به رئيس وزراء باكستان المقبل، لم يستطع احتلال المرتبة الأولى، أو حتى الثانية، لكنه في جميع الأحوال حقق حزبه اختراقاً حقيقياً مقارنة بالانتخابات السابقة التي لم يحرز فيها سوى مقعد واحد. وبالنسبة لباكستان كانت الانتخابات الأخيرة تاريخية بكل المقاييس، باعتبارها المرة الأولى التي تشهد انتقالاً سلمياً للسلطة من حكومة مدنية إلى أخرى دون تدخل الجيش عبر انقلاب عسكري، بحيث أكملت الحكومة المنتهية ولايتها فترتها كاملة من خمس سنوات، وفيما يستحق نواز شريف التهنئة على الأداء الجيد الذي حققه حزبه، إلا أن الجدير بالإعجاب والتقدير هو الشعب الباكستاني نفسه، الذي شارك بكثافة في الانتخابات الأخيرة بنسبة وصلت إلى 60 في المئة، وهي الأعلى من نوعها منذ انفصال بنجلاديش عن باكستان عام 1970. وستكون الولاية الثالثة لنواز شريف في السلطة أكبر تحد لقيادته بالنظر إلى العقبات التي ستواجهه خلال السنوات الخمس المقبلة. فعلى الصعيد المحلي وفيما عدا مهمة التركيز على دفع عجلة الاقتصاد المتعثر والخروج من الأزمة، عليه أن يتصدى لأربع قضايا أساسية تعيق تقدم البلاد، وهي أولاً معضلة النقص الحاد في الطاقة التي جعلت الباكستانيين يعانون من انقطاع مزمن للكهرباء يمتد أحياناً من 18 إلى 20 ساعة يومياً، ما يؤثر سلباً ليس فقط على حياة المواطنين، بل أيضاً على القطاعات الصناعية الأساسية في البلاد. وثانياً هناك مشكلة التضخم الذي يتراوح معدله بين11 و25 في المئة في سياق اقتصادي يتسم بالتدهور العام، وثالثاً يتعين على نواز شريف التصدي لمعضلة الفساد المتفشي، والذي يقوض أركان المجتمع الباكستاني، ثم أخيراً التمرد الذي لا يقتصر على حركة «طالبان» المناوئة للحكومة، بل أيضاً في محافظة بلوشستان المضطربة. أما على الصعيد الخارجي، فلا تقل التحديات جسامة عن نظيرتها في الداخل، إذ منذ إعلان عودته إلى السلطة، ونيودلهي تتوقع الكثير من نواز شريف بالنظر إلى مواقفه المعتدلة تجاه الهند ورغبته في رأب الصدع معها، والتوقعات نفسها تحدو أفغانستان التي تحتاج إلى جارتها باكستان لإنجاح الانسحاب المرتقب للقوات الأميركية من البلاد. وفي أول رد فعل على نواز شريف في الانتخابات الأخيرة، لم يكتف رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سنج، بتوجيه دعوة إلى نواز شريف لزيارة الهند، بل أضاف بأنه يطمح في التعاون معه «لرسم طريق جديدة» في العلاقات بين البلدين، وفيما يتعلق بأفغانستان يعول كرزاي على تعاون حكومة نواز شريف لتسهيل عملية التفاوض مع «طالبان» لإنهاء التمرد، الذي ابتليت به البلاد لأكثر من عقد من الزمن. وعلى امتداد الحملة الانتخابية لم يتوقف نواز شريف عن تطمين جيرانه بأنه راغب في إحياء عملية السلام مع الهند والعمل على تطوير العلاقات مع أفغانستان والولايات المتحدة. كما أكد شريف على أنه لن يسمح أبداً بشن هجمات على الهند انطلاقاً من الأراضي الباكستانية. وفي ظل الجمود الذي طال عملية السلام بين الهند وباكستان وتعطل مسيرتها بسبب مجموعة من الأحداث، يعول الجميع بعد فوز نواز شريف على الدفع بعجلة السلام وإعطائها زحماً جديداً. وإن كان يتعين على شريف أولاً الحصول على موافقة الجيش قبل المضي قدماً في تحسين العلاقة مع الهند، وهنا يكمن التحدي الحقيقي بالنسبة لرئيس الوزراء الجديد والمتمثل في التعامل مع الجنرالات، الذين يتمتعون بنفوذ كبير ويسيطرون على الجانب الأمني والسياسة الخارجية لباكستان. ومن المتوقع أن تدخل الحكومة المدنية في إسلام آباد في مفاوضات مع الجيش الباكستاني لتحديد معالم الطريق، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع الهند. ولحسن الحظ، يبدو أن المدنيين والعسكر وصلوا مرحلة من النضج تمكنهم من العمل سوياً، بالإضافة إلى أن الجيش أعلن نيته عدم التدخل في الشؤون المدنية وبالبقاء بعيداً عن السياسية. ومن المهام الأخرى الملقاة على عاتق نواز شريف فيما يتصل بالجبهة الخارجية التعامل مع قيادة «طالبان» في أفغانستان، حيث تستعد القوات الغربية للانسحاب. ومع أن نواز شريف أعلن عن موقفه المعارض لاستخدام الطائرات من دون طيار كجزء من حملته الانتخابية واستطاع من خلال ذلك استغلال مشاعر الباكستانيين المناهضة للعمليات الأميركية، إلا أنه سيكون من الضروري على رئيس الوزراء التعاون مع الغرب. فالولايات المتحدة حسب التقارير، ستنفق ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار لسحب قواتها من أفغانستان بما فيها الآليات الثقيلة والطائرات والمروحيات التي ستتم في أغلبها عبر الطريق البري الذي يصل باكستان ببحر البلطيق، ومن ثم إلى الولايات المتحدة ومن دون التعاون الباكستاني لن تتمكن أميركا من إنجاح خروجها الآمن من أفغانستان.