إذا كان صراع الحضارات يمثل مقاربة زائفة، فما هي الخيارات المتاحة لمعالجة الاختلافات التي تجسدها الأقليات الإسلامية في البلدان الغربية؟ في معرض إجابتها على هذا السؤال تنكر «آن نورتون»، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، في كتابها «عن المسألة الإسلامية» أن هناك في الأساس صراعاً بين الإسلام والغرب، وأن من يقولون بذلك يزيفون المسألة. وتوجه المؤلفة نقداً حاداً للكتاب المنتمين لأطياف سياسية مختلفة لطرحهم المسألة على هذا النحو، خصوصاً الكتاب الكبار الذين ادعى أحدهم أن سبب الصدام بين الإسلام والحضارة الغربية هو أن المسلمين يسعون دائماً إلى استعادة مجد إمبراطورياتهم التاريخية الزائلة! كما تنتقد هؤلاء الكتاب على الاتهامات الظالمة الموجهة للمسلمين، ومنها أنهم معادون لليبرالية والديمقراطية بحكم طبيعة تركيبهم، وتنتقدهم على تصويرهم الليبرالية الغربية كنظام مثالي، متناسين عيوبها ونواحي قصورها التي يحاولون التعمية عليها. ولإثبات صحة وجهة نظرها تستشهد المؤلفة بمقولات لبعض الكتاب الغربيين، مثل الفيلسوف الفرنسي الشهير جاك دريدا الذي من أقواله أن الإسلام يمثل «الديمقراطية الأخرى»، أي الديمقراطية غير الغربية، لأن الدول الإسلامية في العصر الحديث استطاعت المحافظة على شخصيتها المتميزة، في نفس الوقت الذي حاولت فيه تبني النظام الديمقراطي بدرجات متفاوتة من النجاح. وتشير المؤلفة للأصوات العديدة التي ارتفعت في الغرب عقب هجمات 11 سبتمبر، محذرة من أن الإسلام يمثل أخطر تهديد لأمن الغرب، وقيمه، وطريقته في الحياة، حيث يمكن القول إن «المسألة الإسلامية» تحولت بالفعل إلى أهم سؤال في حياة الغرب. وتقدم المؤلفة رؤية جديدة بشأن أسباب السجالات الأيقونية بين المسلمين وغيرهم ابتداءً من السجال بشأن فتوى الخميني بإهدار دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بسبب ما جاء في روايته «آيات شيطانية» من إساءة للإسلام، والسجال حول الرسوم الكرتونية الدنماركية المسيئة للإسلام، وحول اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان جوخ المتهم بإخراج أفلام مسيئة للإسلام... فتقول إن السبب في أن عدداً لا بأس به من تلك السجالات تركز في الدول الغربية الأكثر ليبرالية، وعلى الأخص هولندا، يرجع إلى أن الكثير من الليبراليين فيها يشعرون بعدم الارتياح لوجود مهاجرين قادمين من المناطق الريفية في المغرب وتركيا، واستقرارهم واستمرارهم في المحافظة على تقاليدهم المحلية ومبادئهم الإسلامية التي تعتبر «متخلفة» في نظر بعض الهولنديين. وتحلل المؤلفة رفض الهولنديين لهؤلاء المسلمين بأنه في جوهره رفض عودة الدين بهذه القوة في المجتمع الهولندي العلماني حتى النخاع. فالمهاجرون المسلمون يذكرون مضيفيهم الهولنديين غير المرحبين بوجودهم بماضيهم قبل قيام دولتهم الحديثة، وهو ماض لم تكن تتوافر فيه لمجتمعاتهم التي كان يغلب عليها الطابع الريفي المتدين، كافة وسائل الراحة والمتعة. وهذا الماضي بالنسبة للكثير من الأوروبيين، وليس الهولنديين فقط، كان سجناً بمعنى الكلمة، يحرم فيه الناس من كل ما هو متاح لهم الآن في الغرب ما بعد الصناعي. وهذه واحدة من الرؤى المبتكرة التي تقوم المؤلفة من خلالها بتفكيك بعض الحقائق الثابتة في نظر الغرب والمعادية للإسلام والمسلمين. وتوجه المؤلفة نقداً لاذعاً لبعض النقاد المشهورين بعدائهم للإسلام، وبعضهم -وهنا المفارقة- من المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الهولندي، مثل «آيان هيرسي علي» الهولندية من أصل صومالي، وكذلك لبعض الكتاب المشهورين في أماكن أخرى مثل «بول برمان»، المؤلف الأميركي الذي لا يخفي عداءه السافر للإسلام. وتبرز المؤلفة بعض الأخطاء الثقافية والمفهومية لهذا الكاتب وغيره من الكتاب مثل جون رولس الذي يعد أحد كبار المفكرين. وتنهي المؤلفة كتابها بذكر بعض الأمثلة على نماذج من الثقافات والديانات المختلفة التي يعيش أتباعها في تناغم مع بعضهم بعضاً، ومنها نموذج المجتمع الأميركي ذاته، وبعض المجتمعات الغربية التي تحولت إلى مجتمعات متعددة الثقافات والأديان، مثل بريطانيا وفرنسا. ومع ذلك تقر الكاتبة باحتمال حدوث مشكلات، بل وصدامات أحياناً، في بعض الأماكن والمواقع التي يحدث فيها اختلاط جديد بين المسلمين وغيرهم، وهو أمر ليس مستغرباً في رأيها لأنه ببساطة يمكن أن يحدث بين أتباع أديان أخرى. وترى المؤلفة أنه ليس أمام الولايات المتحدة وأوروبا سوى العمل على حل «المسألة الإسلامية» في مجتمعاتهما. وتأمل في نهاية المطاف أن يتوقف المثقفون ذوي العقليات المتفتحة في الغرب عن إلقاء العيوب ونواحي القصور والمشاكل المترتبة على التعددية الثقافية، على دين واحد هو الإسلام فحسب. سعيد كامل ------- الكتاب: عن المسألة الإسلامية المؤلفة: آن نورتون الناشر: برينستون يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2013