الجهاز الذي لا يعمل يتوجب إصلاحه أو التخلص منه. وكذلك الأفكار والنظم. وحسب مالك بن نبي فالأفكار منها الميت والقاتل. وكما كان لكل مدينة مقبرة للموتى، كذلك ينبغي دفن بعض الأفكار الميتة. لكن من يتجرأ فيقول إن هذه فكرة ميتة؟ وفي جراحة الأوعية الدموية يتم استبدال الشريان المسدود بآخر، أو يسلك الشريان، وإلا مات الإنسان بنوبة قلبية. والعالم الإسلامي اليوم مع فروعه المتدلية في الغرب يمثل كتلة بشرية تبلغ خمس سكان الأرض، لكنه مثل العملاق المخدر. وهذا العجز يتجلى في جامعة عربية ميتة، ومؤتمر إسلامي مصاب بالشلل، ولوبي إسلامي غربي أضعف من حبو الجنين. فهذا واقع يجب الاعتراف به. ومع غزو العراق انكشف العجز العربي الفاضح، والسؤال لماذا جاءت أميركا إلى العراق ولم تذهب إلى الدانمارك أو النرويج أو فنزويلا؟ ولماذا استعمرت هولندا أندونيسيا مثل أرنب يعتلي ظهر تمساح؟ إن هذا يقودنا إلى الاعتراف بأن أوضاعنا ليست صحية، والهجرة إلى الغرب مظهر لاعتلال الصحة؛ ومن يفر هو واحد من ثلاث: طالب علم نفتقده، أو هارب من اضطهاد يلاحقه، أو باحث عن رزق. يبدو أننا بحاجة إلى فقه جديد وإعادة تصنيع العقل والثقافة، وأول ما يعالج الداء بحسن التشخيص، وأهم ما في التشخيص معرفة السبب، وأهم ما في السبب تحديد «وحدته». وإذا كانت الأمراض العضوية تنتقل بوحدات من الفيروسات أو الجراثيم، كما في مرض «السارس» القاتل حالياً، فإن الأمراض الاجتماعية تنتقل بوحدات من «الأفكار» الموضوعية. لكن هذا يفتح لنا «كهف علي بابا والأربعين حرامي»، فما هي الأفكار التي أوصلت إلى المرض؟ وهل عندنا الجرأة والتجرد كي نواجهها حتى لو اكتشفنا أنها تتصل بنظام الفكر الذي نحمله ونؤمن به؟ ثم ما هي طبيعة الأمراض التي نشكو منها؟ وما هي أعراض هذه الأمراض الفكرية؟ سأقص عليكم هذه القصة التي حدثت معي في أحد مساجد مونتريال، ففي يوم من أيام عام 1989، حيث كنت في زيارة لكندا، حيث دخلت مسجداً، وهناك عرفني نفر من الشباب من إطلاعهم على كتابي «الطب محراب للإيمان»، وكان أحدهم يشرح الآية: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم»، ثم طلب مني الشباب يومها الحديث. ظن الشباب أنني سوف أتحدث لهم عن عجيب خلق الله في تشريح جسم الإنسان، لكنهم فوجئوا حينما انصب تعليقي على الآية التي كان يحاول «الواعظ» شرحها لمن حوله. قلت لهم: إنكم قوم خطرون على المجتمع الكندي. فأي خيل تريدون؟ وأي رباط تبغون؟ وأي إسطبلات لهذه الخيول تهيئون؟ إن كندا سمحت لكم بكل شيء فاجتمعتم في «بيوت» أُذن لكم أن ترفعوها تذكرون فيها اسم الله بالغدو والآصال في مجتمع لا يدين بدينكم، لكنه وفّر لكم أن «تعبروا» عن آرائكم، حيث حُرمتم من هذه الحرية في مجتمعاتكم التي فررتم منها، وأن تكتبوا كيف يحلو لكم دون خوف من رقيب... ومع ذلك تريدون القيام بعمل مسلح في هذا المجتمع المسالم وتسمون أرضه «دار الكفر»؟! كان جوابي أكبر من الصدمة، ولم أسلم من العداوة، لكني خرجت من المسجد سالماً!