تشهد حالياً ضفاف بحيرة «جنيف» السويسرية، فعاليات الدورة السادسة والستين لجمعية الصحة العالمية (World Health Assembly)، والتي تمثل الجهة الأعلى في اتخاذ القرارات داخل منظمة الصحة العالمية، وبمشاركة وفود من 194 دولة يشكلون عدد الدول الأعضاء في المنظمة. ويعقد الاجتماع الدوري لهذا العام، في ظل تحديات صحية وطبية جسيمة تواجه المجتمع الدولي حالياً. أحد هذه التحديات، هو تزايد ظهور فيروسات معدية، بتركيبة وراثية جديدة وفريدة، قادرة على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، أو من الإنسان إلى الإنسان. وهو التحدي الذي ظهر جلياً للعيان، مع تناقل وسائل الإعلام العالمية في اليوم التالي لبدء اجتماعات الجمعية، خبر وفاة شخص تونسي الجنسية، يبلغ من العمر ستة وستون عاماً ومريض بداء السكري، نتيجة الإصابة بفيروس «الكورونا»، بعد زيارة قصيرة قام بها إلى المملكة العربية السعودية. وقد أصيب أيضاً ابنا المتوفى بالفيروس، إلا أنهما استجابا للعلاج. وتأتي هذه الوفاة الأخيرة، والأولى من نوعها في أفريقيا، لتضيف لعدد الوفيات التي كانت المنظمة قد أعلنت عنها سابقاً، والبالغة 20 وفاة من بين41 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، وبمعدل وفيات يبلغ 50 في المئة تقريباً بين حالات العدوى. وينتمي فيروس الكورونا الجديد (NCoV) إلى نفس عائلة الفيروس الذي تسبب فيما يعرف بمنظومة الالتهاب التنفسي الحاد أو «السارس»، والذي تسبب في وباء عالمي عام 2003، نتج عنه وفاة 770 شخصاً حينها. وتزامنت هذه الوفيات الأخيرة بفيروس الكورونا، مع وفيات أخرى مقصورة على شرق الصين، نتيجة ظهور نوع جديد من عائلة فيروسات إنفلونزا الطيور (H7N9) في نهاية شهر مارس الماضي، تسبب حتى الآن في إصابة 100 شخص، والذي يعتبر رقماً مرتفعاً لمعدل الإصابات بمرض جديد، توفي منهم عشرون شخصاً حتى الآن (أي الخُمس)، ولا يزال خُمس آخر في حالة صحية حرجة. ويتشابه هذا الفيروس الجديد مع الفيروس الآخر المنتمي لنفس العائلة، والأكثر شهرة (H5N1)، والذي تسبب في وفاة 332 شخصاً منذ ظهوره عام 2003. وتنتمي هذه الفيروسات الجديدة -أو على الأقل فيروسي إنفلونزا الطيور بنوعيه المختلفين حتى يتم تأكيد مصدر فيروس الكورونا الجديد والذي يعتقد البعض أن مصدره الوطاويط أو الخفافيش -إلى مجموعة من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوانات (Zoonosis)، والتي يمكن تعريفها على أنها أي مرض معد، يمكنه الانتقال من الحيوانات، سواء المستأنسة أو البرية، إلى الإنسان، أو من الإنسان إلى الحيوانات. التحدي الصحي الآخر الذي يواجه المجتمع الدولي حالياً، ويتوقع له أن يحتل مرتبة متقدمة في فعاليات الدورة السادسة والستين لجمعية الصحة العالمية المنعقد حالياً، هو ما أصبح يعرف بوباء الأمراض غير المعدية. حيث تواجه حالياً شعوب ودول العالم قاطبة تزايداً ملحوظاً في معدلات الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب والشرايين، والسكري، والأمراض السرطانية، والسمنة... إلخ، والتي ينتج عنها مجتمعة أكثر من 35 مليون وفاة سنوياً. وهو ما يعني أن الجنس البشري أصبح يواجه مشكلة صحية كبيرة، تزداد حجماً بمرور الوقت، خصوصاً في ظل حقيقة أن الأمراض غير المعدية التي ارتبطت بالمجتمعات الصناعية والغنية، أصبحت تشكل عبئاً مرضياً يتزايد ثقله بمرور الوقت على كاهل شعوب الدول النامية والفقيرة. ومن الملاحظ أيضاً خلال العقود القليلة الماضية، أن الأمراض غير المعدية بدلت ديارها المعهودة، بديار جديدة، يفتقد سكانها المصادر المالية والنظم الصحية الكفيلة بدرء خطرها والحد من تبعاتها. ويرد جزء كبير من هذا الارتحال المرضي إلى تغيرات وعوامل قوية، أصبحت قادرة على تشكيل الظروف الصحية في جميع بقاع العالم. القضية الأخرى التي يتوقع لها أن تستحوذ على جزء كبير من اهتمامات الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية خلال اجتماعها الحالي، هي قضية صحة المرأة والطفل. حيث تختلف مشاكل المرأة الصحية عن تلك التي يتعرض لها الرجال، بسبب ظروف اقتصادية، وعوامل اجتماعية وثقافية أحياناً. فعلى سبيل المثال، بسبب انخفاض الدخل الفردي للنساء مقارنة بالذكور، أو التمييز بناءً على الجنس في تقديم الخدمات الصحية، نجد أن سهولة المنال، أو التمكين (accessibility)، في التمتع بالرعاية الصحية بالنسبة للنساء، ينخفض مستواها عما هو متاح للذكور. وترتبط صحة النساء والأمهات ارتباطاً وثيقاً بالوضع الصحي للأطفال، وهو الوضع الذي من الممكن إدراك فداحته بسهولة، من خلال الإحصائيات التي تظهر أن الالتهاب الرئوي الحاد، يقتل 1.2 مليون طفل سنوياً تحت عمر الخامسة، أو ما يعادل 18 في المئة من مجمل الوفيات في هذه الطائفة العمرية، مما يضع الالتهاب الرئوي الحاد على رأس قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال على الإطلاق. هذا رغم أنه من الممكن حماية الأطفال من الالتهاب الرئوي بتدخلات طبية بسيطة، وعلاجهم إذا ما وقعت العدوى بأدوية وعقاقير طبية زهيدة الثمن. وعلى نفس المنوال، تقتل أمراض الإسهال 760 ألف طفل سنوياً، كما تتسبب في سوء التغذية الحاد بينهم، وهو ما يؤثر على النمو الجسدي والعقلي لهم خلال بقية مراحل حياتهم، ليجعلهم أشخاصاً ضعفاء صحياً وبدنياً، وقاصرين معوقين ذهنياً باقي العمر، ويخفض من إنتاجيتهم ومن مساهماتهم الاقتصادية في مجتمعاتهم لاحقاً.