حققت دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الثلاثة الماضية طفرة في تطور البنية التحتية بشقيها الصلب والناعم، مما ساهم في توفير الأرضية اللازمة للنمو الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، حيث ركزت الاستثمارات الحكومية الكبيرة على مشاريع البنية التحتية بصورة أساسية. ولم يكن من السهل تلبية الارتفاع الكبير في الطلب على مرافق البنية التحتية، والذي تجاوز 10 في المئة سنوياً في بعض الخدمات، كالطاقة الكهربائية والمياه والتي تضاعف الطلب عليها أكثر من ثلاث مرات في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن دول المجلس استطاعت تلبية ذلك بمرونة ملفتة للنظر. ومع الزيادة المستمرة للسكان، وبخاصة الأيدي العاملة الوافدة، نتيجة النمو السريع للاقتصادات الخليجية، حيث دخل سوق العمل الخليجي 2.5 مليون عامل جديد في العام الماضي 2012، فإن هناك تحديات جدية تبرز فيما يتعلق بتلبية خدمات المرافق الأساسية، وخاصة في مجال الطاقة والمياه والإسكان والخدمات الصحية والتعليمية. وإذا كانت دول المجلس قد استطاعت حل هذه المسائل بفضل المشاريع الضخمة التي نفذت، فإن نسبة ارتفاع الطلب على الخدمات في السنوات القادمة سوف تفوق النسب في العقود الماضية، بينما أصبحت القضايا المتعلقة بالطاقة والخدمات أكثر تعقيداً بسبب ارتفاع التكاليف والعواقب البيئية، وذلك بالإضافة إلى الخلل الذي يمكن أن يصيب بعض المؤشرات الاقتصادية؛ كالعجز في التجارة غير النفطية، حيث ذكرت صحيفة «صنداي تايمز» أن دول الخليج تعاني من عجز في المواد الغذائية تصل قيمته 40 مليار يورو، وهو مرشح للارتفاع إلى 90 مليار يورو خلال السنوات الخمس المقبلة. أما في مجال خدمات البنية التحتية، فهناك بعض الدلائل التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة والتي تشير إلى الضغوط المتزايدة على هذه الخدمات، إذ لأول مرة يمكن مشاهدة طوابير الانتظار في محطات التزود بوقود السيارات في دول المجلس، حيث تبين الإحصائيات أن 2500 سيارة جديدة تنزل شوارع دول المجلس يومياً، أي نحو مليون سيارة سنوياً، وهو ما يشكل زيادة كبيرة سينجم عنها العديد من التحديات. وتبذل دول المجلس جهوداً مضنية للإسراع بتنفيذ العديد من المشاريع الاستراتيجية للتخفيف من الضغوط المتزايدة على مرافق البنية التحتية، كمشاريع مترو أبوظبي والدوحة والرياض، وذلك إضافة إلى السكك الحديدية والقطار الخليجي، كما أن معظم دول المجلس وضعت برامج لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، حيث دخلت بعض هذه المشاريع حيز التنفيذ، كما هو الحال في دولة الإمارات، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة الشمسية. لقد كانت العلاقة النسبية بين الزيادة السكانية وإقامة مشاريع البنية التحتية متقاربة في السنوات الماضية، إلا أن المؤشرات الحالية تبين وجود إمكانية لاختلال هذه النسبة وتكون فجوة في السنوات القادمة بين العرض والطلب على خدمات البنية التحتية، بحث يصبح الطلب على الخدمات أعلى من قدرة المرافق العامة على تلبيته، مما تترتب عليه مصاعب يتعين وضع تصورات عملية لإيجاد حلول لها وتفادي إمكانية تفاقمها، للمحافظة على مستوى الخدمات الراقية التي يتمتع بها سكان دول المجلس في الوقت الحاضر. والحقيقة أن حل هذه المعضلة يتطلب اتخاذ سلسلة من الإجراءات، سواء تلك الخاصة بتنويع مصادر الخدمات، وهو ما بدأت دول المجلس في التحضير له، أو فيما يخص الزيادة السكانية وعلاقتها بالتنمية ومعدلات النمو. وفي هذا الصدد دعا المؤتمر التاسع عشر للحكومة والخدمات الإلكترونية لدول مجلس التعاون، والذي عقد بدبي مؤخراً، إلى تأهيل البنية التحتية لدول التعاون، وخاصة البنية التحتية الإلكترونية التي ربما تشكل أحد الحلول المتاحة لتقليص الفجوة بين العرض والطلب على خدمات البنية التحتية، مما يساعد في إيجاد تناسب بين حجم الخدمات والزيادة السكانية في دول التعاون.