اكتسب يائير لبيد، زعيم حزب «يشي عاتيد» سمعته في الصحافة الدولية كونه ممثلاً لتطلعات الطبقة الوسطى الإسرائيلية في تحسين ظروف حياتها خاصة في توفير المساكن والغذاء بأسعار معقولة وتوفير فرص العمل وفرص التعليم المتميز بأسعار مقبولة وغير ذلك من طلبات الحياة. كان هناك دائماً تساؤل في أعمدة المحللين الإسرائيليين عن المواقف الدقيقة للبيد من مسألة تسوية الصراع مع الفلسطينيين. كان الرجل أثناء حملته الانتخابية يعلن بشكل عام وفي صيغة عمومية تأييده للسلام وبالتالي كان هناك من يعلق أملا في أن تكون مواقف الرجل الذي فاز حزبه بالمرتبة الثانية في الكنيست بعد قائمة «ليكود بيتنا»، أكثر اعتدالاً في حل النزاع مع الفلسطينيين، ليوازن تشدد نتنياهو من ناحية وتطرف نفتالي بينيت زعيم حزب «البيت اليهودي» المتدين الذي يمثل المستوطنين وأطماعهم في الضفة الغربية من ناحية ثانية. هذا في حين كان البعض الآخر من المحللين يفترض أن المواقف الحقيقية للرجل تختلف كثيراً عن مواقف المتطرفين. وأخيراً كشف الرجل عن معتقداته في حديث أدلى به إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، فأوضح مفهومه العريض لعملية التسوية عندما حدد موقف الإسرائيليين بأنهم يريدون السلام والأمن، وهذا يعني أن يحصلوا على معاهدة سلام يلتزم فيها الفلسطينيون باحترام مقتضيات الأمن الإسرائيلي بالتعاون النشط في إحباط أية أعمال مقاومة ضد إسرائيل. هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فهذا يعني أيضاً فرض طلبات التوسع الإسرائيلي وأطماعه تحت شعار الأمن، فيتم فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غور الأردن للسيطرة على حدود الدولة الفلسطينية بحجة ضمان الأمن ومنع عمليات تسلل العناصر المعادية لإسرائيل. أما موقف الفلسطينيين في التسوية فقد حدده لبيد بقوله إنهم يريدون السلام والعدالة، وهو ما يعني معاهدة سلام مع إسرائيل تضمن إعادة الضفة الغربية وانسحاب إسرائيل منها كما تضمن إعادة القدس الشرقية لتكون عاصمة للدولة، وأيضاً ضمان حقوق اللاجئين. بين مطلب السلام والأمن الإسرائيلي ومطالب السلام والعدل الفلسطيني فجوة كبيرة، وهنا يعلن لبيد أن جهود التسوية يجب أن تتغلب على هذه الفجوة. إن روح المنطق في عبارة لبيد تتبدد وتتحول من محاولة تقليص الفجوة في التسوية بالتنازلات المشتركة إلى فرض التنازلات على الفلسطينيين. فهو يعلن رفض وقف البناء في المستوطنات في الضفة ويعلن معارضته لأي محاولة لتقليص أو إلغاء الامتيازات المالية التي يحصل عليها اليهود الذين يفضلون العيش في مستوطنات الضفة من ميزانية الحكومة الإسرائيلية، كما يعلن رفض إعادة القدس الشرقية ويتمسك بضمها للقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل، وهو أيضاً يفضل تجنب التوقيع على معاهدة سلام نهائية مع الفلسطينيين والاكتفاء باتفاق مؤقت على دولة بحدود مؤقتة. إن مجموع المواقف التي يعبر عنها لبيد تضعه في جعبة نتنياهو وأطماعه التوسعية وتقربه من حزب المستوطنين، لتكتشف أن المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية للإسرائيليين في شرائحهم الضعيفة، لا تعني أن أصحاب هذه المطالبة مثل لبيد سينحازون إلى العدالة مع الفلسطينيين. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس